"الألغام" تتراكم في الطريق لانتخاب رئيس البرلمان ونائبه!


 جاء في الراي الكويتية:

بدو لبنان وكأنه في استراحة «ما بين عاصفتين»، الانتخابات ونتائجها التي فاجأت الائتلاف الحاكم (حزب الله والتيار الوطني الحر)، وانتزعت «أنياب» أكثريته النيابية، والاستحقاقات الدستورية المرتبطة بإكمال «دورة» تداوُل السلطة التي يتعيّن أن تمرّ بانتخاب رئيسٍ لبرلمان 2022 ثم تشكيل حكومة جديدة.

وفي اليوم الثالث على تَكَشُّف نتائج استحقاق 15 مايو، بدأ ينجلي أكثر فأكثر غبار خلاصات انتخاباتٍ تلقى الائتلاف الحاكم الخسائر الأكبر فيها: «حزب الله» على شكل خسارة سياسية مُني بها بفقدانه غالبيةً شكّل قاطرتها وإقصاءٍ لرموزٍ من العيار الثقيل محسوبة عليه وعلى النظام السوري، وتراجُع بارز لحلفاء مسيحيين واختراقٍ مزدوج حققتْه «قوى التغيير» في معقله جنوباً، وخروج حزبيْ «البعث» والسوري القومي الاجتماعي بالكامل من الخريطة النيابية، وإن كان الحزب حافظ على «الأصوات الشعبية» تقريباً نفسها التي حصل عليها ومع «أمل» في العام 2018 (نحو 547 ألفاً) ومع تراجُع بنحو 20 ألفاً هذه السنة مردّه الى ضمور أصوات «الحركة» بنحو 30 ألفاً.أما «التيار الحر»، فجاءت خسارته شعبيةً وبأرقام كبيرة، حيث تراجعت الأصوات التفضيلية التي نالها من نحو 276 ألفاً في 2018 إلى 133 ألفاً، في موازاة تقلّص كتلته النيابية من 21 (قبل أن تتحوّل تكتلاً حينها من 27 مع حلفاء) إلى 18 اليوم (بينها نائب سني) لتصبح تكتلاً من 21 مع حزب الطاشناق.

وهذا الانكماش البارز في أرقام التيار قابلتْه مسيحياً قفزةٌ كبيرة لحزب «القوات اللبنانية» التي حققت نحو 202 ألف صوت تفضيلي (بفارق نحو 70 ألفاً عن التيار الحر) وبزيادة أكثر من 40 ألف صوت عن 2018، وهو ما يفسّر القراءات التي رست على أن نتائج الانتخابات أعطت «التفويض الشعبي» مسيحياً لـ «القوات» وخياراتها على حساب تموْضعات «التيار الوطني» وتحالفه مع «حزب الله».وقد ظهّر رئيس «القوات» الدكتور سمير جعجع أمس في أول اجتماع لتكتله الجديد الذي ضم 19 نائباً (انضم إليه رئيس حزب «الوطنيين الأحرار» كميل دوري شمعون) الخلاصتين الرئيسيتين للانتخابات النيابية: أولّهما «الخسارة المدوية لـ«حزب الله» و«التيار الحر» للغالبية، والثانية أن «القوات» باتت تملك أكبر كتلة من 19 نائباً و«التيار 18» مع النائب محمد يحيى، وحلفاؤه «شقلوه» معهم وعلى لوائحهم في كل لبنان وأعطوه 4 نواب بأصواتهم بينهم سليم عون وسامر التوم وادغار طرابلسي.ومن هاتين الخلاصتين، أطلّ جعجع على مسألة الأكثرية النيابية التي أقرّ الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله في إطلالته ليل الأربعاء أنها لم تعد مع فريقه، وإن تعاطى مع هذا التطور على طريقة «رُبّ ضارة فرصة»، إذ اعتبر أنه«لا يوجد فريق سياسي اليوم يستطيع الادعاء بأن الغالبية معه، ما يعني أن الكل مسؤول ولا يجوز لأحد التخلي عن المسؤولية والأزمات لا تعالج إلا بالشراكة والتعاون فلنذهب إلى نقاط الاتفاق وتهدئة السجالات السياسية» ومخاطباً الجميع في الداخل بقوة«أكثر من نصف مليون صوت «نالها الثنائي أمل - الحزب في الانتخابات».

ولكن جعجع اعتبر أن الأكثرية انتقلت إلى تكتلات أنتجتْها الانتخابات وهي «متفقة أقله على نقاط أساسية رئيسية هي السيادة وعدم وجود سلاح خارج الجيش اللبناني وموضوع الفساد»، وذلك قبل أن يجزم بأن كتلة «القوات» لن تصوّت للرئيس نبيه بري في انتخابات رئاسة البرلمان، تاركاً الباب مفتوحاً في ما خص نيابة رئيس مجلس النواب «فالنائب (القواتي) المنتخب غسان حاصباني يتحلّى بكلّ المواصفات التي تخوّله أن يكون في هذا الموقع ولكنّنا منفتحون وقابلون للأخذ والردّ ولكن لا نساوم أبداً على المشروع السياسي».وهذه النقطة تحديداً اعتُبرت من أوساط سياسية رسالة برسم قوى التغيير التي أوصلت 14 نائباً إلى البرلمان (صوّت نحو 300 ألف ناخب لمختلف لوائح التغييريين في الانتخابات وعدد كبير منهم لم تسعفه لعبة الحواصل)، حيث بدا واضحاً أن «القوات» تريد من استحقاق انتخاب رئيس البرلمان، وخصوصاً نائبه (وأمينيْ السرّ و3 مفوّضين) الذي ينبغي أن يتم بعد 15 يوماً كحد أقصى من انتهاء ولاية برلمان 2018 (تنتهي منتصف ليل السبت – الأحد) أن يتحوّل منصة لتظهير أن ثمة أكثرية حقيقية أفرزتْها الانتخابات باعتبار أن ذلك أولوية تتقدّم على شخص نائب الرئيس الذي قد يتحوّل إصرار «القوات» على ترشيح حاصباني إليه مثلاً، وبحال الرفض المتوقع لكتلة التغييريين له، «مسماراً مبكراً» في جسم غالبيةٍ تتلمّس طريقها لولادة شائكة تحتاج إلى نقاشاتٍ وتقاطعات واضحة قد تحصل وربما لا تحصل أبداً.

وبهذا المعنى فإن جعجع بدا وكأنه يترك الباب موارباً أمام إمكان السير بتسويةٍ على نائب رئيس للبرلمان، لا يُعرف إذا كان يمكن أن يكون النائب المنتخب ملحم خلف أو غيره بحال تحوّل مرشحَ لـ«أكثرية جديدة»، ولكن وفق مبادئ هي نفسها التي حددها رئيس «القوات» في معرض تفنيد سبب عدم انتخاب بري لولاية سابعة وهي «أن أيّ مرشّح جدّي يجب أن يتعهّد بتطبيق النظام الداخلي لمجلس النواب حرفياً وبالتصويت الإلكتروني وبعدم إقفال المجلس تحت أيّ ظرف وأن يعمل لإعادة القرار الإستراتيجي كاملاً إلى الحكومة التي لا يمكن أن يكون قرار الحرب والسلم خارجها، والقرار الأمني إلى الجيش».

ومن هنا، فإن جلسة انتخاب رئيس البرلمان تحوّلت الشغل الشاغل في لبنان المأخوذ هذه الأيام شعبياً بالأزمات التي استعادت «وهجها» الحارق، من الرغيف الذي بات شبه مفقود إلا في سوق سوداء تجاوز فيها سعر ربطة الخبز 30 ألف ليرة في ظل عدم إيجاد حل بعد لكيفية توفير دولارات استيراد القمح (بانتظار موافقة البرلمان على قرض البنك الدولي)، و«لهيب» دولار ما فوق 30 ألفاً، واشتعال أسعار المحروقات مجدداً، وكلها اختناقات تشي بأنها ستتوغّل أكثر في يومياتٍ عادت إليها التحركات الاحتجاجية.

على أن «جرس الإنذار» المعيشي المستعاد والذي بلغ حد تحذير نقيب أصحاب الأفران في جبل لبنان أنطوان سيف «نخشى من أن«يُسفك دم»، لن يوقف قطار الاستحقاقات الداهمة وأقربها جلسة «التجديد» لبري على رأس البرلمان ليتكرّس كصاحب أطول ولاية في رئاسة مجلس النواب في العالم العربي، وعلى الأرجح في العالم، وهو يتولاها بلا انقطاع منذ 1992.

ولكن انتخاب بري في 2022 لن يكون «نزهة» على غرار المرات السابقة، إذ يرجّح أن تكون الأصوات التي يُتوقَّع أن ينالها هي الأقل منذ 1992 ويجري «حشْدٌ» دخل على خطه «حزب الله» لمحاولة ألا ينزل «تفويض» شريكه في الثنائية الشيعية، الذي لا منافس له على هذا المنصب (باعتبار أن النواب الشيعة الـ 27 انتُخبوا في كنف الثنائي)، عن النصف زائد واحد من النواب الـ 128 الذين يتألف منهم البرلمان. علماً أن نصاب التئام جلسة انتخاب رئيس مجلس النواب هو 65، ويحتاج في الدورة الأولى إلى الأكثرية المطلقة من المقترعين وإلى الأكثرية النسبية في الدورة الثالثة وما فوق.

على أن جلسات انتخاب رئيس المجلس وهيئة المكتب غالباً ما تكون مكتملة الحضور، أي من 128 نائباً، وهو ما يجعل بري يحتاج في الدورة الأولى إلى الأكثرية المطلقة وفق هذا الحضور ولكن مع عدم احتساب الأوراق البيض والملغاة.

وفي«بوانتاج»أولي لمسار جلسة الانتخاب، التي للمرة الأولى سيكون بري هو الذي يدعو إليها كونه رئيس السنّ في برلمان 2022، فإن رئيس مجلس النواب ضَمَنَ الحصول على 52 صوتاً من حزب الله وحلفائه، وبينهم 9 نواب من الحزب التقدمي الاشتراكي (المُعارض) الذي يُرجح أن يمنح كل أو غالبية أصواته لبري، من دون أن يتضح خيار 5 من«قدامى تيار المستقبل».

أما «التيار الحر» فلم يُحسم بعد كيف سيتعاطى مع هذا الاستحقاق، علماً أن تصويت، ولو قسم من كتلته لبري، سيكون كفيلاً بجعله يُنتخب بما فوق 65 نائباً، وهو رقم باتت له معانٍ معنوية أكثر منها عددية، كون عدم بلوغه سيظهّر بوضوح تراجُع وضعية «حزب الله» في البرلمان اللبناني.

ورغم معطيات تتحدث عن محاولات لإبرام «صفقة» مع بري على قاعدة مقايضة بين رفع «الحاصل الانتخابي» لرئيس البرلمان وبين أن يؤول موقع نائب الرئيس للتيار (النائب إلياس بوصعب)، فإن أوساطاً تعتبر أن مثل هذه المقايضة غير قابلة للحياة أولاً لأن الأكثرية ليست في يد تحالف حزب الله - التيار - أمل، وثانياً لأن ثمة ترجيحات بأن رئيس التيار جبران باسيل يصعب أن يصوّت شخصياً لبري وقد يُعمل على إمكان أن يترك الحرية لنوابه فتوفّر غالبيتهم الغطاء المسيحي«الميثاقي» لبري، وهو ما سيكون رهن اتصالات الأيام المقبلة.

ولم تستبعد أوساط واسعة الاطلاع في بيروت تبعاً لهذه التعقيدات، أن يعمد بري رئيس السن، لتعليق الدعوة لجلسة انتخاب رئيس البرلمان وهيئة المكتب ما لم يكن سبق ذلك تفاهُم مع التيار والآخَرين على نيابة رئاسة البرلمان وذلك بما يسهّل على كتلة باسيل منْح زعيم«أمل»أصوات غالبيتها لرئاسة المجلس وبما يمنع وصول مرشح تفاهُم المعارضة والتغييريين لنيابة الرئاسة، وهو السيناريو الأكثر قتامة الذي من شأنه إذا صحّ أن يدشّن باكراً مرحلة«السيناريو العراقي».

وفي حين حُسم أنه من خارج تحالف 8 مارس، فإن كتل «القوات» والتغييريين والكتائب (4 نواب) والمستقلون (14) و«حركة الاستقلال»(2) لن يصوتوا لبري حيث ستكون«كتلة أوراق بيض»وازنة، فإن زعيم «أمل» يقف أمام تحدي عدم الخسارة المعنوية هو الذي انتُخب في 2018 بأصوات 98 نائباً، وكان حصل في انتخابات 2000 على أعلى عدد من الأصوات كان 124، في حين بلغت أرقامه 105 أصوات في 1992، و122 في 1996، و90 في 2005 و2009

المصدر : الراي الكويتية

إرسال تعليق

أحدث أقدم
يرجى الدردشة مع فريقناسوف يرد المسؤول في غضون بضع دقائق
مرحبًا ، هل هناك أي شيء يمكننا مساعدتك به؟ ...
ابدأ الدردشة ...