لهذا يخشى جبران باسيل تصويت المغتربين؟!

 

بدأت انتخابات 2022 النيابيّة اللبنانيّة، إذ صوّت أمس الأوّل المغتربون في دول الخليج العربي، واليوم سيصوّتون في بلدان الانتشار الأخرى وكانت الحماسة للاقتراع كبيرة لدى المغتربين، وقد تبدّت في محطّتين:

1- الإقبال الكثيف على التسجيل في اللوائح الانتخابيّة. فقد بلغ عدد المسجّلين 245 ألفاً، قبل أن يُخفض إلى حوالي 230 ألفاً بحجّة عدم توافر الشروط القانونيّة للمشاركة في الانتخابات صحيح أنّ نسبتهم من إجمالي عدد الناخبين قليلة (5.67%)، وعددهم قليل مقارنة بعدد المغتربين أو المتحدّرين من أصل لبناني (يُقدَّر بـ12 مليوناً)، لكنّه عدد جيّد نسبة إلى العدد الذي تسجّل في انتخابات 2018 (حوالي 93 ألفاً)، وبالنظر إلى الفترة الزمنيّة القصيرة التي أُعطيت لهم للتسجيل.

2- اعتراض المغتربين على تخصيص 6 نواب فقط لهم في المجلس النيابي أو ما عُرف بالدائرة الـ16. فمنذ اللحظة الأولى أدركوا أنّ طرح النائب جبران باسيل هذا، وذهابه إلى الطعن بالقانون في المجلس الدستوري، ظاهره حقّ، لكن يُراد منه باطل فهو يهدف إلى إبعاد أصوات المغتربين عن المعركة الانتخابية الداخلية في المجلس النيابي المُقبل لاقت صرخة المغتربين المعركة التي خاضتها أطراف داخليّة، وفي مقدَّمها القوات اللبنانيّة وسقط طرح باسيل.

لكن لماذا يخشى جبران باسيل تصويت المغتربين؟فهو يدّعي ويتباهى أنّه ناضل من أجل إقرار قانون يعطيهم هذا الحقّ بالمشاركة في الحياة الوطنية للمرّة الأولى في تاريخ البلاد. السبب بكلّ بساطة أنّ التيار الوطني الحرّ، كما هو مأزوم في الداخل، مأزوم أيضاً في الخارج لعدّة أسباب:

1- إنّ نسبة المغتربين المسيحيّين المسجّلين على اللوائح الانتخابيّة بلغت حوالي 60%. غالبيّتهم هاجروا في نهاية ثمانينيّات وبداية تسعينيّات القرن الماضي بسبب حروب ميشال عون العبثيّة (حرب التحرير وحرب الإلغاء) تلك الحروب التي دمّرت "المناطق الشرقيّة" باقتصادها وبُناها التحتيّة ومؤسّساتها. هؤلاء لم ينسوا أسباب هجرتهم، ولا مَن دفعهم إليها أمّا الذين هاجروا في بداية الحرب، أي منذ حوالي نصف قرن، فللأسف قلّة منهم تسجّلوا على اللوائح بسبب ضُعف ارتباطهم بالوطن فيما الذين هاجروا قبل تأسيس لبنان الكبير (في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين) قلّة منهم حصلت على الجنسية اللبنانية، وغالبيّتهم فقدوا الارتباط كلّيّاً بلبنان. حاولت المؤسّسة المارونية للانتشار تشجيعهم على استعادة جنسيّتهم اللبنانيّة. لكنّ النتيجة كانت خجولة.

2- المغتربون المسجّلون على لوائح الانتخاب يتابعون الحياة السياسية في لبنان بتفاصيلها. في الماضي تعاطفوا مع الجنرال عون "المنفيّ" في فرنسا. ودعموا خطابه السيادي الذي عاد يُطلّ به نهاية التسعينيّات وبداية القرن الحالي واستبشروا خيراً بمساهمتهم في القرار 1559. لكنّهم فوجئوا بعد عودته إلى لبنان بانقلابه على مواقفه السابقة بتحالفه مع حزب الله بعدما كان يُطالب بنزع لاحه، وبزيارته لبشّار الأسد وإعطاء النظام السوري صكّ براءة، من دون اشتراط أن يوقف فعليّاً تدخّلاته في الشؤون اللبنانيّة ويعيد الـ700 لبناني المفقودين في السجون السورية، ويعتذر من الشعب اللبناني عمّا فعله بلبنان واللبنانيين طوال 30 سنة.

3- لاحظ المغتربون اللبنانيون، ربّما أكثر من المقيمين، بداية العزلة العربيّة والدوليّة للبنان بعد وصول جبران باسيل إلى وزارة الخارجيّة. فكان باسيل في الخارجية حيناً وكأنّه وزير خارجية حزب الله، وحيناً آخر كأنّه وزير خارجية النظام السوري. لم يظهر وزيراً لخارجية لبنان إلا بتنظيمه مؤتمرات "الطاقة الاغترابية" التي جيّرها للحصول على أموال من المغتربين لترميم منازل قديمة في وسط البترون.

4- المغتربون الذين تسجّلوا لينتخبوا أيّدوا انتفاضة 17 تشرين. دعموها. استبشروا بها خيراً. لم ينتظروا من الثنائي الشيعيّ، الذي هاجم ساحات المنتفضين، التعامل إيجاباً معها. إنّما كانوا ينتظرون دعماً لها ممّن حمل شعار التغيير والإصلاح ومحاربة الفساد والفاسدين. لكنّهم صُدِموا بنكران ميشال عون لها، وبمكابرة جبران باسيل واستخفافه بها.

5- المغتربون في دول الخليج العربي، الذين صوّتوا أمس، لا يأملون من حزب الله العمل للمحافظة على أفضل العلاقات مع تلك الدول وفي مقدّمها المملكة العربية السعودية. تبعيّة الحزب الإقليميّة معروفة. إنّما كانوا يعوّلون على رئيس الجمهورية وعلى وزير الخارجية (جبران باسيل) للعمل من أجل عدم تدهور العلاقات مع تلك الدول، الأمر الذي يمكن أن يهدّد وجودهم وأعمالهم فيها. كانوا يأملون فكّ التحالف مع الحزب واتّخاذ موقف واضح من خطابه السياسي العدائي لتلك الدول، وخاصة من تدخّله العسكري فيها أو ضدّها وضدّ مصالحها الإقليمية.6- أخيراً وليس آخِراً، فإنّ حوالي 42% من المغتربين المسجّلين على اللوائح الانتخابيّة يصوّتون في دائرة الشمال الثالثة التي تضمّ البترون حيث يترشّح جبران باسيل. لذلك عمد هذا الأخير، من خلال موظّفين له في وزارة الخارجيّة، إلى عرقلة تسجيلهم، ووزّع أفراد العائلة الواحدة في أقلام اقتراع متباعدة مئات الكيلومترات. وكان هذا فاضحاً في مدينة سيدني الأستراليّة، كما جاء في اعتراض القوات اللبنانية وطرحهم للثقة بوزير الخارجية في جلسة نيابية لم يتأمّن لها النصاب.

المغترب اللبناني بنى خياره الانتخابيّ استناداً لهذه العناوين كلّها. ولذلك يخشى جبران باسيل تصويته.

د. فادي الأحمر - اساس ميديا

إرسال تعليق

أحدث أقدم
يرجى الدردشة مع فريقناسوف يرد المسؤول في غضون بضع دقائق
مرحبًا ، هل هناك أي شيء يمكننا مساعدتك به؟ ...
ابدأ الدردشة ...