الإغتراب قال كلمته


 لم يكن يوما 6 و8 أيار يومين عاديين كبقية أيام السنة للمغترب اللبناني، الذي هبّ بكل حماسٍ واندفاع للانخراط في الإستحقاق الإنتخابي النيابي، في مشهدٍ لم يحصل في الدورة الماضية عام 2018 ولا من خلال استقدام العدد الكبير من المغتربين في دورات سابقة للإنتخابات في لبنان.

هذه المرّة، كان ليوم الإقتراع في المرحلتين نكهةً خاصة، هي النكهة التغييرية التي طغت على كلّ النكهات الحزبية حتى كادت تقصيها عن المشهد في الخارج، بل أنه لو قُيّض للمغتربين الثائرين أن يستقدموا لبنان كلّه للإنتخاب في الخارج لما ترددوا، لتحكم برأيهم الديمقراطية الحقيقة في صناديق الإقتراع لبنانيو الخارج بدوا أمس اكثر حماسةً للتغيير، هم من هجّرتهم الطبقة السياسية المتعاقبة منذ 30 عاماً من ديارهم، حان موعد محاكمتهم لهذه الطبقة، خرجوا بفرحٍ وبصوتٍ عالٍ ليعلنوا أنهم اختاروا التغيير، حتى باتت هذه الكلمة مرادفاً لكلمة الوطنية في القاموس اللبناني الجديد.

لفتت الحماسة والطوابير التي تحدّت المطر والحرّ في كل بقاع العالم جميع المراقبين للمشهد الإنتخابي، تجمهر الآلاف أمام مراكز الإقتراع، ليس من أجل وضع ورقة اللائحة التي اختاروها، بل لتوجيه رسالة من شقّين إلى لبنانيي الداخل.

الرسالة الأولى، أنهم قاموا بواجبهم واقترعوا بغضّ النظر عمن اختاروا، لذلك من واجب اللبنانيين في الداخل أن يذهبوا إلى الصناديق ويقترعوا ولا يستكينوا للمقاطعة أبداً مهما كانت الذرائع.

أمّا الرسالة الثانية، فكانت رسالةً تغييرية بامتياز، حيث المشهد والممارسة من خارج الأقلام إلى داخلها، تصبّ في اتجاه التغيير، تغيير رأوا فيه باباً للخلاص من منظومة هجّرتهم وهم يقولون "إتجاهاتنا تغييرية بعيدة عن أحزاب السلطة فلا يجب أن يخذل اللبناني في الداخل، اللبناني في الخارج، ويستنسخ نفس المنظومة التي أوصلت البلاد إلى الإنهيار وأوصلتهم هم، إلى أصقاع الأرض بحثاً عن وطن.

قد لا نضطر إلى المقارنة بين الأحزاب وقوى التغيير، لأن النتيجة محسومة لجهة أن الأحزاب تربح حتماً في ظلّ تنظيمٍ حديدي، كونها تمتلك من الخبرة التقنية والقدرات المالية الضخمة التي وظّفتها في حملاتها الإنتخابية في لبنان والخارج، لكن إجراء مقارنة من نوعٍ آخر تقوم حول من ربح الموجة الإنتخابية لهذا العام، سيكشف أن القوى التغييرية هي من سيربح، فهي أحدثت زلزالاً أو فجّرت بركاناً طالت شظاياه التغييرية كلّ قارات العالم دون استثناء.

واذا ما تنقّلت العيون والآذان في جولةٍ على دول الإغتراب اللبناني في اليوم الإنتخابي، تستوقفها ملامح وأصوات ناخبي التغيير، الذين امتلكوا الجرأة الكافية للتعبيرعن رأيهم في التصويت للتغيير دون مواربة أو خوف، وكرّسوا كلمة "التغيير" كمرادفة لكلمة "الوطنية" ، ويرددونها بحرية وفرح وفخر، فيما كانت ملامح ناخبي الأحزاب مكفهرّة ليس من مهابة الإستحقاق بل من شدّة الصدمة بعد رؤية هذا"التسونامي التغييري" الساكن إلى جانبهم في غربةٍ فرضها فساد المنظومة الحاكمة، فترى غالبية ناخبي الأحزاب صامتين أو حتى متلعثمين أمام كاميرات وسائل الإعلام التي رصدتهم، فلم تسعفهم الكلمات للدفاع عن خيارهم.

ولم تفعل الماكينات الإنتخابية الحزبية المنظّمة فعلها، فلم تستطع أن تُرهب هذا الناخب التغييري حتى في أفريقيا وألمانيا حيث الغالبية الشعبية المغتربة مصبوغة بصبغة الثنائي الشيعي، فتجرأ التغييريون هناك على التعبير عن خيارهم بكلّ جرأة رغم الضغوطات النفسية والجسدية التي تمارس عليهم.

وفشل الضخّ المعلوماتي والإستخباراتي الحزبي والذي صوّر التغييريين بأنهم منقسمين ومشرذمين، في إحباط عزيمة المغتربين الذي عملوا على توجيه الناخبين إلى أفضل اللوائح التغييرية، على عللها، في كل الدوائر الإنتخابية. ولم يكن عدد الحواصل مهماً بالنسبة لهم، بل كان تفصيلاً صغيراً، فالمهمّ بالنسبة لهم اليوم وغداً، هو الإثبات أن الحالة التغييرية باتت أمراً واقعاً لا مفرّ منه في كلّ منطقة، والمعركة بالنسبة لهم بدأت اليوم أي في أيار2022 ، والتغيير الحتمي والشامل سيكون حتماً في الـ 2026 لاستعادة الوطن.

المغتربون قالوا كلمتهم للمقيمين: إمّا أن تنتخبوا للتغيير مثلنا أو لن نعود. فهل يلاقي المقيمون المغتربين؟

إرسال تعليق

أحدث أقدم
يرجى الدردشة مع فريقناسوف يرد المسؤول في غضون بضع دقائق
مرحبًا ، هل هناك أي شيء يمكننا مساعدتك به؟ ...
ابدأ الدردشة ...