السرقات القانونية


 في كل مرة نتحدث عن وضع اللجنة المؤقتة لمرفأ بيروت، تتسلّح اللجنة بأنّ وضعها قانوني، لأنّها تعمل بقرار من مجلس الوزراء، ولم يقم المجلس بطرح صيغة جديدة لإدارة المرفأ واستثماره.

كما في معظم الحالات المتعلقة بسوء الإدارة، نكتشف انّ المستفيدين يتسلّحون بقوانين وعقود وامتيازات تمنحهم الحصانة القانونية.بمعنى آخر، هناك جرائم مالية ونهب مرتكبة تحت مظلّة القانون، وهذا ما نسمّيه القوانين الحقيرة Lois Scelerates، وهذه القوانين بالتعريف، هي لحماية السارقين، ويسنّها من هم في موقع السلطة خدمة لمصالحهم.


أي أنّ في لبنان، تتمّ قوننة السرقات عبر تشريع قوانين وأنظمة تعطي لفئات محدّدة امتيازات، مثل الاحتكارات تحت مبرّرات مفتعلة، وتمنعها عن المواطنين الآخرين. وقوانين تتضمن ثغرات قانونية تسمح للمسؤولين بالتلطّي خلفها لتسهيل فسادهم، كما الإجراءات الإدارية، وهي في صلب مطالباتنا المتكرّرة، وهي تخلق بيئة معززة للفساد، وهذه الإجراءات تسمح بالاستنساب والرشاوى.


هذه القوانين لا تدمّر البيئة الاقتصادية والمالية في البلد فحسب، بل ايضًا القيم الأخلاقية والاجتماعية، وتُشعر المواطن بالاستغلال وعدم المساواة.


من هنا مطالبتنا الأساسية والدائمة بتطبيق الشفافية المطلقة والبيانات المفتوحة، كي يتمكن المواطن من مراقبة هذه القوانين الاستنسابية والمهندسة لخدمة فئة معينة.وهناك أمثلة كثيرة، أكرّر مثلاً، اللجنة المؤقتة لمرفأ بيروت، والتي بقيت مؤقتة لفترة 30 عامًا تستفيد من عائدات المرفأ وتُنفق بلا رقابة وتُصدر قرارات أساسية وحاولت ردم الحوض الرابع، ومُنحت عقداً أخيراً يربط عمل المرفأ لفترة 10 سنوات.


إنّ تعريف مؤقتة هو تشغيل أساسي من دون اتخاذ قرارات جذرية وأساسية ولفترة لا تتخطّى الأسابيع. وإذا تخطّت هذه المدة تصبح لا قانونية حكمًا حتى لو لم يبادر مجلس الوزراء الى اتخاذ قرار في شأنها لأسباب عدة، منها سوء إدارة او إهمال مقصود للاستفادة من الوضع الراهن.


لو وجدت الشفافية المطلقة لتمكن المواطن من معرفة الوضع القانوني للجنة وانتهاء صلاحيتها، كما الإطلاع على عمل اللجنة ومصارفيها ومداخيلها وقراراتها.


أمثلة اخرى تتعلق بتغيير عامل الاستثمار لفترة معينة، لتسمح لبعض النافذين من الحصول على تراخيص، او حصول بعض القريبين من السلطة على قروض مدعومة، وهي مخصّصة لفئة الدخل المتدني والمتوسط. او استثناءات على قانون الميراث لفترة محدّدة. أو عقود عامة ينالها قريبون من السلطة او بفعل الرشى أو خدمات سياسية، مثل عقود الأشغال العامة والنفايات، والمطامر. أو تشغيل مرافق للدولة من المطار الى المواقع السياحية وغيرها. أو عملية الشراء العام في لبنان والتي ينتج منها هدر وفساد بأرقام كبيرة، وهي لا تتمّ بمناقصات شفافة بل تنفيعات للمحظوظين، مما يمنع على كثير من المؤسسات اللبنانية فرص تقديم الخدمات والبضائع للدولة.


قانون التخمين العقاري في لبنان ومنح موظفي الدوائر العقارية سلطة إستنسابية لتخمين القيمة البيعية للعقار، بدل ان تكون مرتكزة على تخمين موحّد.


الإبتزاز والاستنسابية في عمليات الرخص على انواعها، بدءًا من رخصة نقل وصولًا إلى رخصة البناء. ومن هنا تأتي مطالبتنا بتغيير كل الإجراءات الادارية والقوانين المرتبطة بها.


أخيراً، يُطرح اليوم قانون «الكابيتال كونترول» وهو قانون أساسي نحتاجه حاليًا ومؤقتاً في لبنان، الّا انّ التخوف من ان يشكّل هذا القانون مظلّة تسمح للمصارف بالتهرّب من المسؤولية وتبرّر سرقة الودائع. وان يتحوّل الى قانون لتشريع الاحتيالات والمخالفات السابقة وقرصنة ما تبقّى من أموال، مع لجنة خاصة تضع بين يديها مصير المودعين. نشدّد على انّ أي قانون «كابيتال كونترول» يبرّر سرقة الودائع هو تكريس خراب الاقتصاد اللبناني لزمن طويل ومكافأة لمن خرّب البلد.


وهناك سرقات قانونية أخرى سنذكرها لاحقاً.


ويبقى انّ الشفافية المطلقة هي السلاح الأول في مواجهة كل هذه التجاوزات والسرقات القانونية. فحتى لو حظي المسؤول الفاسد بغطاء دولي الّا انّ فساده سيظهر محليًا وسيمكّن المواطن من المحاسبة.

إرسال تعليق

أحدث أقدم
يرجى الدردشة مع فريقناسوف يرد المسؤول في غضون بضع دقائق
مرحبًا ، هل هناك أي شيء يمكننا مساعدتك به؟ ...
ابدأ الدردشة ...