«لقاء الضاحية»: طالِب الشيء قبل أوانه عوقِب بحرمانه؟!


 ليس من المنطقي البناء كثيراً على لقاء الضاحية الجنوبية الذي جَمع فيه الامين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله رئيسَي تيارَي «المردة» و«الوطني الحر» طالما أنه لن تكون هناك رواية كاملة حول مجرياته والظروف التي سبقته وما انتهى إليه فهو جاء بعد تشكيل اللوائح الانتخابية وفي وقت مبكر لدخول مدار الانتخابات الرئاسية في انتظار الظروف التي يولد من رحمها الرئيس العتيد وعليه، ما الذي يَحتمله هذا اللقاء؟

لن يقدّم التوصيف الذي قدّمه رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية ومن بعده رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل الصورة الكاملة للقاء الذي جَمعهما الى الافطار الذي دعاهما إليه السيّد حسن نصرالله قبل ايام. فتصريحات مقتضبة بدقائق معدودة لا يمكن ان تقدّم صورة عن لقاء ليلي امتد لساعات ومن المفترض ان يكون قد تناول كل شيء ولم تقف المناقشات عند ما يجري على الساحة اللبنانية فحسب، إنما على ساحات المنطقة والعالم لِما لها من تأثير مباشر او غير مباشر على مجريات الوضع في لبنان من مختلف جوانبه.

 

فأيّ لقاء مع الأمين العام لـ»حزب الله» لا يمرّ من دون جولة أفق اقليمية ودولية يجريها السيّد في بداية كل لقاء رابطاً بين الاحداث العالمية والاقليمية كما يراها ويفسّرها سعياً الى خلاصة نهائية عن شكل ومضمون انعكاساتها المُحتملة على الساحة اللبنانية قبل الدخول في اي تفاصيل أخرى وهو ما يقوده عادة الى تقديم تصوّر شامل يُلقي الضوء على ما هو متوقع على مستوى مجريات الأحداث التي يراقبها الحزب بدقة متناهية قبل ان يحدد خياراته الاستراتيجية والتكتيكية في الداخل منها والخارج.

 

وعليه، وأيّاً كانت السيناريوهات التي تسرّبت عن اللقاء، فإنها ستبقى عرضة لكثير من الشكوك في غياب من يستطيع - ومعه من يكون مستعداً - لنشر «محضر جلسة» بعد اي لقاء لمجموعة سياسية سواء كان أطرافه من الحلفاء او الخصوم فمحاضر «جلسات الضاحية» بقيت حتى اليوم وستبقى «سرية للغاية» تحتمِل كثيراً من «القيل والقال» الى أمد غير قليل يتحكّم بها أصحاب الدار وضيوفه، وهو أمر ثابت في كثير من المناسبات المشابهة، فلم يسبق ان تَسرّب محضر للقاء كالذي حصل.

 

ولذلك بقيت التسريبات محصورة بمجموعة من «الخبريات» المنطقية وغير المنطقية من لوازم العملية الإنتخابية، التي تَلت التوصيف الذي قدّمه فرنجية وباسيل في مناسبتين متتاليتين عبّرا فيهما عن الاسباب والدوافع التي أدّت الى قبولهما دعوة السيّد مع تشديدهما على أهمية أن لا يعطى اللقاء أكثر ممّا يحتمل من وجوه العلاقات الانسانية والإجتماعية بينهما في ظل الظروف الحالية مع إشارتهما معاً الى وجود مرجعيات أخرى كان يمكن ان تجمعهما لو لم يسبق السيّد الجميع الى مثل هذه الخطوة وطالما انّ الضاحية هي التي استضافت اللقاء بعد جولات فاشلة من المفاوضات سعى رُعاتها بعيداً من الاضواء قبل انتهاء مهلة تشكيل اللوائح الانتخابية من اجل جَمعهما في لائحة واحدة في مواجهة «خصوم مشتركين»، فإنّ لقاء ما بعد هذه المحطة أُعطي اكثر من بُعد، بمعزل عن مضمون الأحاديث التي تمّ تداولها في ظل المواقف المتضاربة للتيارَين من معظم القضايا الداخلية حتى الافتراق.

 

فمنذ فترة طويلة أعقبت انسحاب تيار «المردة» ونوّابه من تكتل «الاصلاح والتغيير»، وبعدما بَقوا خارج تكتل «الجمهورية القوية» خاضَ الطرفان مواجهات عدة في أكثر من مجال نقابي وسياسي وعلى اكثر من ساحة نيابية وحكومية. وتبادلا رُزماً من الاتهامات في كثير من المحطات السياسية وعلى الرغم من افتراقهما في محطات واستحقاقات داخلية خصوصاً في مرحلة الشغور الرئاسي التي امتدت من ايار 2014 وحتى نهاية تشرين الاول 2016، فقد انتظَم فرنجية الى جانب مَن انتخب عون رئيساً للجمهورية عن اقتناع أو بغير هذه الصفة. وعلى رغم من كل ذلك لم يظهر انّ بين الرجلين ايّ تباين اساسي حول القضايا الاقليمية والدولية، ولا سيما منها تلك المتصلة بالازمة السورية والعلاقات بين لبنان ودول مجلس التعاون الخليجي. فموقف فرنجية من الحرب في سوريا بقيَ متقدماً على باسيل بأشواط بعيدة ولم يظهر في اي مناسبة تَلاعبا بالمبدئي منها وكذلك الثابت من الحكم في سوريا ومن آل الأسد تحديداً. فهو حافظَ على علاقات استثنائية ومميزة لم تهزّها المتغيرات الطارئة وان دفع كلفة باهظة في بعض محطاتها فقد فاز بحصاد وفير في مناسبات اخرى امّا مواقف باسيل، وعلى الرغم من نشوئها مع آل الأسد بعد احداث ايار 2008، فقد كانت سلبية وعدائية جداً منذ ان اخرجت «السوخوي» السورية عَمّه رئيس الحكومة العسكرية المؤقتة العماد ميشال عون من قصر بعبدا في 13 تشرين الأول عام 1990 بعد ما سُمّي «حرب التحرير» قبل اربعة عقود من الزمن. وعادت الى ما لا يستوعبه عقل بعد تفاهم مار مخايل مع «حزب الله» العام 2006 وصولاً الى زيارته بلدة «برَاد» للاحتفال بعيد مار مارون في 8 شباط 2011، وما تلاها من استحقاقات لم يثبت انها كانت ثابتة ومنتظمة كتلك التي احتفظ بها فرنجية.

 

كما تمايَزت مواقف الرجلين من الازمة الأخيرة مع دول مجلس التعاون الخليجي، ورغم تحميل المملكة العربية السعودية مسؤولية الأزمة التي قادَت الى القطيعة الديبلوماسية لفترة من الزمن الى مواقف وزير الاعلام جورج قرداحي الذي سمّاه فرنجية في الحكومة الاخيرة، فقد حافظَ الاخير على الحد الادنى من الود في علاقاته مع دول الخليج ولم يسلك الطريق المتعرّجة التي سلكها آخرون. ولم يذهب الى ما ذهبَ إليه باسيل ونواب تكتله ووزرائه في مواقفهم التصعيدية في دفاعهم عن أركان السلطة ومواقف وتصرفات «حزب الله» وتحميل المملكة مسؤولية ما سمّوه «الحصار الاقتصادي والمالي» في لبنان، بالإضافة الى ما يجري في الخليج من توترات وغيرها من الأزمات التي كانت على تَماس مع المتغيرات السلبية والإنهيارات المالية والنقدية المُتسارعة على الساحة اللبنانية.

 

وعلى هذه القواعد، وانطلاقاً من هذه المؤشرات، أُعطيَت المبادرة التي رعاها السيد نصرالله بجَمع فرنجية وباسيل أبعاداً مختلفة وسط عدد من الاسئلة عن الهدف من توقيتها وشكلها ومضمونها في انتظار ما يؤدي الى توضيحها. فهل انّ الظروف اليوم تسمح بمصالحة بين الرجلين؟ وما هي الفائدة منها؟ وهل يمكن ان تقود المساعي الى تحالف انتخابي بعدما عبرت هذه المحطة وصارت قبل موعد الافطار؟ وهل كان اللقاء من اجل ترتيب البيت الداخلي لحلفاء الحزب وانصاره؟ أما وإن كان من اجل تقديم أولى الاشارات الى بدء التحضير للاستحقاق الرئاسي بعد النيابي، فإنّ من تَحلّقوا حول طاولة الإفطار يعرفون انّ الوقت ما زال باكراً لولوجه فهم يدركون ما يعنيه المثل المشهور «إن طالب الشيء قبل أوانه عوقِب بحرمانه».

إرسال تعليق

أحدث أقدم
يرجى الدردشة مع فريقناسوف يرد المسؤول في غضون بضع دقائق
مرحبًا ، هل هناك أي شيء يمكننا مساعدتك به؟ ...
ابدأ الدردشة ...