"ربع ليرة" تقرّر مصير الشعب.. هذا هو السبب الأساسي لفشل الانتفاضات


 كتب أنطون الفتى في "أخبار اليوم":

قَوْل الحقيقة ليس صعباً، وقد لا يحتاج الى الكثير من الترتيبات.

فالصّحافيّة الروسيّة مارينا أوفسيانيكوفا، عبّرت عن رفضها الغزو الروسي لأوكرانيا قبل أسابيع، بواسطة لافِتَة، وذلك خلال بثّ مباشر للأخبار المسائية، على إحدى قنوات التلفزيون الرسمي الروسي، وكتبت عليها "لا تصدّقوا الدّعاية، إنهم يكذبون عليك هنا".

استقالات

وقامت أوفسيانيكوفا بذلك، رغم الخطر الكبير النّاجم عن فضح آلة الدعاية الحكومية في روسيا، ورغم ما تعرّضت له بعد احتجاجها على الحرب.

ونتيجة لما فعلته، تسبّبت أوفسيانيكوفا باستقالات عدّة لمراسلين أجانب، من مؤسّسات إعلامية روسيّة، في جميع أنحاء العالم.

تسميم

هذا ما حصل في روسيا، خلال ثوانٍ قليلة، رغم خطر الاحتجاز والاعتقال والتسميم، فأثمر حركة تضامُنيّة واسعة، على صعيد عالمي.

أما في لبنان، حيث التغنّي بنسبة مهمّة من الحريّات، فنجد الكثير من "البكاء" الحياتي والمعيشي على شاشاتنا، وذلك خلال برنامج معيّن مثلاً، يُعرَض في ليلة، لنجد في الساعة أو الليلة التالية، وخلال برنامج آخر، على الشاشة نفسها، الضّحك السّخيف، و"باقات" من التفاهات.

سخافات

وفي لبنان أيضاً، بلد الحريات، نشاهد الكوارث الحياتية في نصف ساعة، أي خلال نشرات أخبار الصّباح، أو بعد الظّهر، أو المساء... ونستمع الى من يتحدّثون فيها عن أن بعض الناس ينقطعون عن أدويتهم لشهر كامل ربما، وعن أمور خطيرة أخرى، لنشاهد بعد النّصف ساعة تلك، "البوتوكس"، و"الفحش"، ومن يحدّثوننا عن تلذّذهم بالأطعمة، أو عن كيفية استمتاعهم بأوقاتهم، أو عن كيف ولماذا تشاجروا مع فلان أو فلان، وكم ضربة "أكلوا وطعموا"... وهي مساحات تذهب هدراً، في سرد سخافات، غير مُنتِجَة، وغير فعّالة، وكأن لا شيء في البلد، وذلك بدلاً من الاستفادة منها (تلك المساحات) لعَرْض الحقائق المرّة، وفضح الكثير الكثير، بالأسماء... بما يُمكنه إجبار الدولة و"كبار القوم"، على إنهاء "الشواذات" التي تتحكّم بمصير الناس.

50 في المئة

نحن لا ننكر ضرورة بثّ الفرح. ولكن لا يُمكن لبلد أن يتحرّر، ولا أن يستقلّ، ولا أن يقف على رجلَيْه مجدّداً، إذا كان 50 في المئة منه يضحك، ويمرح، ويفرح، ويُنفِق على عمليات "البوتوكس" حتى الساعة، ورغم الأزمة الاقتصادية الخانِقَة، فيما ينصرف (هذا الـ 50 في المئة) الى البكاء على الـ 50 في المئة الأخرى في البلد، التي تموت جوعاً، وذلك في الفقرة الأولى من برنامج، وقبل استعادة الضّحك و"القهقهات" على كلام "من الزنّار ونازل"، في الفقرة التالية، من البرنامج نفسه.

كما لا يُمكن لبلد أن ينهض، ويتحرّر من الاحتلالات، ومن الفساد، إذا كان 50 في المئة منه يضحك، ويمرح، ويفرح، فيما الـ 50 في المئة الأخرى، تموت يومياً، وبالملموس.

لا نتيجة

وبين نموذج مارينا أوفسيانيكوفا، والنّموذج اللبناني، فوارق جوهرية.

فالأولى قالت الحقيقة، و"اختفت" لأكثر من 15 ساعة، على يد عناصر الشرطة الروسية. وهي عبّرت عن خجلها الشديد من نشر دعاية الكرملين، ومن الكذب على شاشة التلفزيون، و(عن الخجل) من الصّمت عن احتلال روسيا لشبه جزيرة القرم في عام 2014، وعن تسميم روسيا المُعارِض الروسي أليكسي نافالني.أما في لبنان، فينظرون، ويقولون، ويبكون، عند الواحدة مثلاً، ومن ثم يضحكون، ويُقهقِهون، ويسخرون، وبحدّ أقصى يشتمون، عند الواحدة وخمس دقائق. والنتيجة... لا نتيجة!؟

"بربع ليرة"

أكد مصدر خبير في الشؤون السياسية والإعلامية، أن "في لبنان، ورغم الحريات التي لا نزال نتمتّع بها، إلا أن تأمين الحقيقة وعرضها ليس أمراً سهلاً، ولا هو متوفّر تماماً".

ولفت في حديث لوكالة "أخبار اليوم" الى أنه "بربع ليرة"، يمكن نقل الاهتمامات من مكان الى آخر، في لبنان، حتى ولو كان مُختلفاً جوهرياً عن الذي يسبقه. وأسباب ذلك تعود الى الشعب اللبناني نفسه. فردّات فعله ميْتَة، حتى على الأمور الخطيرة، بينما نرى الشعوب في بلدان أخرى يتحدّون الشرطة، والاعتقالات، وإطلاق النار، بما يفرض الشروط على الأنظمة والحكومات، أو يؤثّر فيها وعليها".

قنبلة نووية

وشدّد المصدر على أن "الإعلام قادر على تحرير مجتمعات ودول، إذا توفّرت اللّعبة الإعلامية الفعّالة لذلك. فعلى سبيل المثال، لا يجوز نقل انقطاع حليب الأطفال، والأدوية، والاستشفاء، وأحوال الجوع، والفقر، وعَدَم توفّر الكهرباء... ومن ثم الانصراف الى الضّحك، والفرح، والسعادة...، وكأن الكوارث من العادات اللبنانية، التي لا بدّ من التأقلُم معها".

وأضاف:"يتذمّر اللبناني من انقطاع حاجات أساسية له، لمدّة أشهر متتالية ربما، ومن ثم ينصرف الى الرّقص، والغناء، والسّهر، ويُكمل حياته كالمُعتاد، فيُساهم بذلك في نموّ الفساد".وختم:"هذا هو حال اللبناني، حتى ولو انفجرت قنبلة نووية في لبنان. وهذا هو السبب الأساسي لفَشَل الانتفاضات اللبنانية، رغم تنعُّمنا بنسبة كبيرة من الحريات، بالمقارنة مع دول أخرى في المنطقة".

إرسال تعليق

أحدث أقدم
يرجى الدردشة مع فريقناسوف يرد المسؤول في غضون بضع دقائق
مرحبًا ، هل هناك أي شيء يمكننا مساعدتك به؟ ...
ابدأ الدردشة ...