عون لن يغادر قصر بعبدا؟


 في خلال مجلس خاص، سأل مرجع روحي أحد الوزراء عن توقعاته للانتخابات النيابية في 15 ايار/مايو وما بعدها. فردّ الوزير في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي بأنه يتوقع إجراء الانتخابات النيابية في موعدها، لكن الغموض يسود المرحلة التالية مع توقّع إعادة تكليف الرئيس ميقاتي نفسه تأليف الحكومة وصدور مراسيم بتسمية الوزراء أنفسهم في التشكيلة القديمة الجديدة.

ومن المعلوم أن الحكومة الحالية ستُعتبر مستقيلة وفقاً للمادة 69 من الدستور بعد الانتخابات النيابية وبدء ولاية مجلس نيابي جديد، وبما أن التجارب السابقة حول التكليف والتأليف في لبنان غير مشجعة وتستغرق وقتاً وأشهراً طويلة، وبما أن الفترة الزمنية الفاصلة بين تكليف رئيس حكومة وتقديمه تشكيلة جديدة وبين انتهاء ولاية رئيس الجمهورية ميشال عون في 31 تشرين الاول/أكتوبر المقبل هي فترة ضيّقة، وقد لا تثمر تفاهمات سياسية على التشكيلة الحكومية الجديدة، من هنا يأتي الاقتراح بالإبقاء على الرئيس ميقاتي والوزراء الحاليين مع التوزيعة الراهنة لتأمين استمرارية الحكم، ولاسيما إذا انقضت ولاية عون ولم يتم التوافق على انتخاب رئيس جديد، وتكرّرت بالتالي تجربة الفراغ الرئاسي التي امتدت لأكثر من سنتين عقب انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان بسبب مقاطعة نواب حزب الله والتيار الوطني الحر جلسات انتخاب الرئيس وعدم تأمينهم النصاب القانوني المحدّد بـ 86 نائباً كورقة ضغط لانتخاب عون رئيساً فقط ولا أحد غيره بناء على وعد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله.

عدا هذا السيناريو يعني أن ميشال عون سيبقى في قصر بعبدا ولن يغادره خصوصاً أنه سبق وقال إنه لن يسلّم إلى فراغ، بل يسلّم إلى حكومة قائمة. ولكن مَن يضمن ألا يخرج رئيس الجمهورية وصهره بعد الانتخابات أياً تكن نتائجها في حال حصولها بنظرية وشروط تعجيزية للموافقة على إعادة تكليف الرئيس ميقاتي وإصدار مراسيم بالحكومة الحالية، وكم من اتفاق غير «تفاهم مار مخايل» إنقلب عليه العهد وتياره!.

ففي حالة فوز حزب الله بالأغلبية النيابية واحتفاظ التيار الوطني الحر بتمثيله الحالي بعد الانتخابات أو تراجعه إلى نصف عدد النواب، فرئيس الجمهورية وتياره لن يمانعا الإبقاء على حكومة ميقاتي والتوزيعة الحالية للحقائب والوزراء وسيضغط الرئيس عون للإبقاء على التوازنات الراهنة داخل الحكومة تحت طائلة استرجاع مقولته السابقة «يمكنكم سحقي ولكن لن تأخذوا توقيعي». ونظراً للتجارب السابقة فإن عون ولو تحوّل التيار العوني إلى أقلية في المجلس فهو لن يوقِّع مراسيم حكومة جديدة لا تتناسب مع وضعه في نهاية ولايته ووضع النائب جبران باسيل الذي يخوض معركة قاسية في البترون في مواجهة مرشحين قويين أحدهما غياث يزبك عن القوات اللبنانية والآخر مجد بطرس حرب كمستقل مدعوم من حزب الكتائب ومتحالف مع رئيس «حركة الاستقلال» ميشال معوض.

ولكن ماذا عن التمثيل المسيحي الآخر المعارض للعهد في حال حقق نتائج ملموسة في الانتخابات ولاسيما في الساحة المسيحية؟ وهل إذا كان التوافق على انتخاب رئيس جديد متأخراً وخاضعاً لكباش سياسي قوي بين حزب الله وحلفائه من جهة وبين الفريق السيادي ومن خلفهما القوى الدولية والإقليمية، هل سيبقى حزبا القوات اللبنانية والكتائب والمستقلون الفائزون خارج الحكومة في انتظار وصول رئيس جديد غير عون؟ وهل يقبلون المشاركة في حكومة وحدة وطنية مجدداً مع حزب الله والتي تحوّلت حسب أحد الوزراء إلى «خصومة وحدة وطنية».

هذه التساؤلات تؤشر إلى مأزق، فحزب الله لن يقبل البقاء خارج الحكومة، والقوى السيادية لن تقبل المساكنة معه ومع سلاحه وفي ظل نفس البيانات الوزارية التي كانت تُدبّج وتخفي في طيّاتها مقولة «الجيش والشعب والمقاومة» والتي استغلها الحزب لتغطية سلاحه ومن ثم القتال خارج لبنان.

أما موضوع الرئيس الجديد فمن الصعب على القوى السيادية والتغييرية القبول برئيس شبيه بالرئيس عون في بعبدا، وحتماً هي لن تقبل بوصول جبران باسيل. وفي غياب كتلة لـ «تيار المستقبل» وتعليق الرئيس سعد الحريري عمله السياسي من الصعب أن تنتخب كتلة سنية وازنة رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية الذي يحظى برضى الثنائي الشيعي، في وقت لم يُعرَف مدى قبول عون وباسيل بانتخاب فرنجية، ويبقى موقف الزعيم الدرزي وليد جنبلاط رهن الظروف. وهذه الضبابية قد تعزّز فرص وصول قائد الجيش العماد جوزف عون إذا استطاع تجاوز فيتو أمين عام حزب الله الذي يتهمه بالتنسيق مع الأمريكيين والسفيرة الأمريكية في عوكر دوروثي شيا.

من هنا، فإن الانتخابات النيابية المقبلة حاسمة لجهة معرفة من سيمتلك الأغلبية في برلمان 2022 مع العلم أن أي فريق لن يستطيع الحصول على ثلثي أعضاء المجلس، وبالتالي إذا لم تتمكن القوى السيادية والتغييرية من تحقيق الأغلبية أي أكثر من 65 نائباً، وإذا استطاع حزب الله أن يمتلك هذه الأغلبية في ظل عزوف الحريري عن خوض الانتخابات، فإن الفريق السيادي سيحاول أن يمتلك ورقة الثلث المعطل في المجلس النيابي كما فعل فريق 8 آذار لمنع انتخاب رئيس على مدى سنتين، وذلك في انتظار التوصل إلى تسوية دولية إقليمية محلية على إسم الرئيس العتيد.


سعد الياس- القدس العربي

إرسال تعليق

أحدث أقدم
يرجى الدردشة مع فريقناسوف يرد المسؤول في غضون بضع دقائق
مرحبًا ، هل هناك أي شيء يمكننا مساعدتك به؟ ...
ابدأ الدردشة ...