بين لبنان والعراق... هل يُكرس منطق الحكومة التوافقية؟


 كثيراً ما يتم تشبيه الوضع السياسي في لبنان، وهذا التشبيه لا يأتي من العدم بل انه يرتبط بالعديد من العوامل. فالبلدان يتشابهان ببنيتهما الاجتماعية لناحية تعدد وتنوع الطوائف، وجاء النظام السياسي العراقي بعد عام 2003 وسقوط نظام صدام حسين ليُعزز من هذا التشابه، حيث بات الدستور العراقي يستند الى ما يُعرف بالتوافقية السياسية، وذلك من خلال توزيع الصلاحيات بين السلطتين التنفيذية والتشريعية بطريقة تمنح لأي منهما القدرة على تعطيل الأخرى، كما تغاضى عن عمد عن تحديد بعض المهل الزمنية الدستورية الحاسمة، مما يسمح للاتفاقات والتفاهمات والتوازنات السياسية ومراكز القوى بالالتفاف على الدستور.

ورغم ذلك، فإن معظم الصلاحيات المهمة حصرها الدستور العراقي برئيس الوزراء، الذي يقضي العُرف بأن يكون من الطائفة الشيعية، إلا أن تسميته تحتاج الى توافق كبير داخل البرلمان حيث تبرز عقدة الثلث المعطل التي تهدد بعدم اكتمال النصاب في أي جلسة لتسميته ومنذ انتهاء الانتخابات العراقية في تشرين الأول العام الماضي يسود التوتر المشهد السياسي العراقي حيث نتج عنها تصدر تحالف مقتدى الصدر على حساب الأحزاب والكتل السياسية الحليفة لإيران، والمنضوية ضمن ما يعرف بـ"الإطار التنسيقي"، ورغم تقارب الصدر من بعض الأحزاب المنضوية ضمن الاطار إلا أنه يرفض بشكل قاطع وحازم أي تفاهم أو تقارب مع رئيس حزب الدعوة نوري المالكي.

جوهر الخلاف بين الطرفين يعود الى تصميم الصدر على تأليف "حكومة أغلبية وطنية" في حين أن الإطار التنسيقي ينادي بحكومة تشاركية تكون فيها جميع القوى السياسية ممثلة، بما فيها المالكي وهذا الطلب بترافق مع تحذيرات ممذوجة بنوع من التهديد بضرور عدم استنهاض الفتنة والحرب والأهلية هذا في العراق، أما في لبنان فالوضع لا يبدو مغايراً حيث بدأت خطابات مسؤولي حزب الله تتحدث عن عدم تغيير للمعادلات مهما كانت نتائج الانتخابات، بمعنى أن فوز أي أكثرية في الانتخابات لن تؤدي الى تغيير فعلي في السياسة الداخلية والخارجية للبلاد.

الفارق الوحيد بين الساحتين اللبنانية والعراقية، أن في العراق ثمة شخصية أساسية وذات تأييد جماهيري واسع تتمثل بالصدر تحول دون تجديد طريقة الحكم التي كانت سائدة في بلاد الرافدين والتي أدت الى استفحال الفساد بشكل مطرد فيه، ولغاية اليوم ما زال الصدر مصراً على موقفه وثابةً برفض تجديد الشرعية لهذا النوع من الحكومات أما في لبنان فإن حزب الله المؤيد والمتمسك بحكومة يتمثّل بها الجميع، أو يتمثل بها جميع حلفائه على أقل تقدير، وتضيع فيها المسؤوليات وتكثر فيها الاتهامات بالتعطيل لن يواجه أي عائق في تنفيذ هذه المهمة، ذلك أن ثمة غياب واضح لأي مركز قوة شبيه بالصدر قادر على فرض منطق مغاير.

إرسال تعليق

أحدث أقدم
يرجى الدردشة مع فريقناسوف يرد المسؤول في غضون بضع دقائق
مرحبًا ، هل هناك أي شيء يمكننا مساعدتك به؟ ...
ابدأ الدردشة ...