إنتخابات على حَبل التمنّي!


 لم ينقطع بعد حبل التمنّي بتأجيل الانتخابات النيابية المقررة منتصف ايار المقبل لدى كثيرين وسيبقى ممدوداً لديهم حتى ربع الساعة الاخير على موعد هذا الاستحقاق الدستوري، فهم سيجرّبون ويحاولون «فركشتها» اذا استطاعوا الى ذلك سبيلاً بخلاف مزايداتهم وتأكيداتهم المتلاحقة على انها ستجرى في مواعيدها.

«حبل التمني» هذا كان عنوان قصيدة كتبها يوماً الأديب اللبناني والعربي الكبير الراحل ميخائيل نعيمة وصالَ فيها وجال في تمني كذا وكذا لينتهي الى القول «غير اني من كثرة التمنّي صرت اتمنى ان لا اتمنى». لكن حال نعيمة ابن الفريكة لا تنطبق على الذين يتمنون تأجيل الانتخابات الآن إذ سيبقى حبل تمنّيهم ممدودا حتى لحظة افتتاح اقلام الاقتراع فيوقنوا عندها ان ما تمنّوه كان سراباً ولسان حالهم يقول «يا ليتنا لم نتمنَ»، او يقولون تمنينا وكان في تمنينا شقاء و»يا ليت كانوا وكنّا».


والمفارقة أنّ ما يتمناه هؤلاء المتمنون تأجيل الإنتخابات هو لأنفسهم، أما البلد فلا أمنية لديهم في شأنه سوى أن يُمعنوا في الإستمرار في القبض على سلطاته ومقدراته غير عابئين بما أوصلوه اليه من إنهيار، متصرفين وكأنّ الدنيا ما زالت في ألف خير، ليأتي من يسألهم: أيّ خير هذا الذي تتحدثون عنه وقد جعل غالبية ابناء الشعب تحت خط الفقر، وربما يكون الآتي اعظم. ولكن الادهى من كل هذا انّ أفرقاء منهم تورطوا في الفساد ومن الرأس حتى اخمص القدمين ينبرون من حين لآخر الى المحاضرة في العفاف ويقدّمون أنفسهم للبنانيين على انهم المنقذون، فهل يمكن للعطّار ان يصلح ما افسدته دهورهم في البلاد على مدى عشرات السنين؟


على ان الذين يواكبون يومياً الاستحقاق الانتخابي الدستوري الذي يفترض ان يكون استحقاقاً تغييراً بامتياز كما يحصل في الدول المختصرة العابرة للطائفية والطائفيين، لم يخرجوا حتى الآن بأي اقتناع في انّ الانتخابات اذا حصلت ستقلب ظهر المجن وستنحي المنظومة التي اوصلت البلاد الى الانهيار جانباً والمتفائلون منهم يتحدثون عن حصول مسحة تغيير، لأن فريق التغييريين الذي صال وجال منذ 17 تشرين الاول 2019 صار أفرقاء، بعضها جائع سلطة يريد ان يقول لغيره «قوم لأقعد محلك»، وبعضهم الآخر يخوض الانتخابات مدججاً بالمال في زمن الفقر المدقع الذي اصاب اللبنانيين، ما يولّد انطباعاً ان هذه الانتخابات ان حصلت فستحقق رقماً قياسياً في ممارسة الرشى، وبالاذن من لجنة الاشراف على الانتخابات وغيرها من المؤسسات المحلية والدولية التي ستراقب العملية الانتخابية فإنها لن ترى بالعين المجردة او في الخفاء كيف تمارس الرشى.نقطة ضعف دعاة التغيير بمختلف منصاتهم انهم يخوضون الانتخابات «فرقاً واوزاعا كأثمال تشف عنها الجلود» بدل من ان يكونوا موحدين، ولكن كيف لهم ان يتوحدوا وهم لم يكن لهم يوما قيادة تجمعهم، نعم لديهم رعاة ولكن لكل راع هدفه الذي يتخطى لبنان الى مصالح خارجية على صلة بالنزاعات الدائرة في المنطقة والعالم. 


ولذلك سيأكل التغييريون من «لحمهم» اذا جاز التعبير، اذ انهم سيتنافسون على اصوات الناخبين الذين يؤيدونهم في بيروت وخارجها ولن يتمكنوا من تحقيق اختراقات ملحوظة في اللوائح الاخرى المنافسة الاقوى منهم عدة وعديداً، اما الحكومة التي نذرت نفسها للاشراف على الانتخابات فلن تفيدهم في شيء كما لن تفيد غيرهم وليس في صفوفها رئيسا ووزراء أي مرشحين للانتخابات يمكن التحالف معهم او الاستفادة من نفوذهم.


ولذلك، يرى المتابعون ان مشهد الانتخابات لا يشير حتى الآن الى انه سيكون في نتائجها مفاجآت، وربما تكون المفاجأة الوحيدة هي بقاء الحال على ما هي عليه مع شيء من التغيير الطفيف في الاسماء وفي توزّع بعض المقاعد، علماً أن كل المؤشرات تدل الى انّ المعارك الانتخابية الجدية ستتركّز في بعض دوائر بيروت وجبل لبنان ودوائر محددة في الشمال فقط، اما بقية نتائج الانتخابات في بقية الدوائر قتبدو انها محسومة من الآن وسيندر ان يفوز فيها احد من «التغييريين» تِبعاً لطبيعة اللوائح والقوى السياسية المتنافسة فيها.أما في دائرة بيروت الثانية، فيرى المتابعون ان المعركة ستكون حامية الوطيس بين ثلاث لوائح هي: لائحة «بيروت بدها قلب» برئاسة رئيس حزب الحوار الوطني النائب فؤاد المخزومي الذي سيعلنها اليوم وتضمّ وجوهاً تغييرية تنتمي الى عدد من العائلات البيروتية المعروفة، وهي تراهن على مزاج بيروتي يصبّ في مصلحتها خصوصاً في ضوء الخطاب السياسي العالي النبرة لرئيسها مخزومي في مواجهة «حزب الله» وحلفائه وكذلك في مواجهة المنظومة السياسية والمصرفية التي يتهمها بإيصال البلاد الى الفشل والافلاس.


اما اللائحة الثانية فهي اللائحة التي يدعمها الرئيس فؤاد السنيورة التي تجمع «مستقبليين» سابقين ووجوهاً بيروتية حيثياتها التمثيلية ضعيفة، وهي برزت بفعل خروج الرئيس سعد الحريري وتيار «المستقبل» من العمل السياسي ومن الانتخابات ترشيحاً واقتراعاً، وتطمح ان تلقى تعاطفاً بيروتياً معها، فيما يبدو الجو «المستقبلي» أقرب الى الوقوف على الحياد.


اما اللائحة الثالثة فهي لائحة «حزب الله» مع حلفائه التي تطمح للفوز بمقاعد محددة من دون كسر التوازن التمثيلي البيروتي وبعيداً من اي تحد، وذلك لاعتبارات لدى اطرافها السياسيين تتصل بمستقبل العلاقة مع البيئة البيروتية عموماً ومع الحريري وتيار «المستقبل» خصوصا، في اعتبار انّ خروج الحريري من الانتخابات والعمل السياسي في هذه المرحلة هو خروج مؤقت.اما بالنسبة الى لوائح منصّات التغيير، والتي من بينها رجال اعمال لا خبرة سياسية لديهم، فإنها تعتقد انها ستنال اصواتاً من جمهور الحريري وتياره، ومن رأي عام غاضب على المنظومة السياسية، لكنّ المتابعين لانتخابات بيروت يرون وضع هذه المنصات الانتخابي ليس بهذه الدقة لأنّ «المستقبليين» وجمهورهم سيقفون على الحياد فهم لم ينسوا هجمات هذه المنصات على الحريري قبل استقالة حكومته في تشرين 2019 وبعدها، وبالتالي لا يمكنهم الاقتراع لمرشحيها، وربما قلة من البيارتة ستشارك في الاقتراع وفق مزاجها وللوائح محددة لا وجود للمنصات التغييرية فيها.

إرسال تعليق

أحدث أقدم
يرجى الدردشة مع فريقناسوف يرد المسؤول في غضون بضع دقائق
مرحبًا ، هل هناك أي شيء يمكننا مساعدتك به؟ ...
ابدأ الدردشة ...