هل داسَ لبنان على اللغم؟


 هل داس الجانب اللبناني على لغم أميركي – إسرائيلي؟ يبدو أن الأوساط السياسية في الداخل، سيّما تلك المعنية بملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية مع فلسطين المحتلة، مضت تدقّق في الإحتمال المذكور.

الكلام أعلاه نابعٌ من عنوان زيارة الوسيط الأميركي في ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية آموس هوكشتاين إلى الأراضي المحتلة. الأخير وعبر صفحته الرسمية على "تويتر"، وصف زيارته إلى تل أبيب على أنها تأتي "في سياق التعاون الإقليمي في مجال الطاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل"، بحيث أخرج الملف الحدودي من النقاش وأخفى أية إشارة إلى مسعى جديد يقوده بتكليف من بلاده، ولو أنه في التغريدة ذاتها قال بأنه "يتطلع لعودة قريبة إلى بيروت" من دون أن يذكر الموعد حصر هوكشتاين الزيارة إذاً في إطار التعاون بين دولتين، وتعمّده إخفاء أية إشارة على صلة بالوضعية الراهنة بالنسبة إلى "ملف الترسيم"، يحيل القضية إلى العدم، ما يعزّز الشكوك التي راجت في بيروت مؤخراً حول تعمّد الوسيط وبلاده + الجانب الإسرائيلي، اللجوء إلى سياسة المماطلة بهدف انتزاع حدٍ أقصى من التنازلات اللبنانية، أي أكثر ممّا قدّمه اللبنانيون حتى الآن.

المعلومات التي تسنّى لـ"ليبانون ديبايت" الإطلاع عليها، تكشف أن الوسيط الأميركي، والتي حفلت وسائل الإعلام المحلية خلال الأيام الماضية بمعلومات حول مواعيد مفترضة لزيارته وصلت إلى توقّع حصولها يوم الأربعاء المقبل، لم يدوّن في سجله حتى الآن، أن طلبَ موعداً رسمياً واحداً من جانب المعنيين الرئيسيين والرسميين في الملف على المستوى اللبناني.

مصادرٌ على صلة بالملف، وإن فتحت مجالاً للشكّ بأن هوكشتاين قد يكون تقصّد عدم طلب تحديد مواعيد، إنسجاماً مع طلب السفارة الأميركية في بيروت، إبقاء حركته وحركة لقاءاته بعيدة عن تركيز وسائل الإعلام، قالت إن الجوّ السياسي الرسمي في لبنان، متجانسٌ إلى حدٍ ما مع طروحات "آموس" الجديدة، وقد يكون هؤلاء يوافقون على المحافظة على الطابع السرّي للقاءات ثم الزيارة ومحاولة إبعادها قدر الإمكان عن تركيز وسائل الإعلام المحلية ومن ثم الأجنبية وأكدت المصادر أنه واستناداً إلى المعلومات الرسمية، فإن الوفد الأميركي الذي يضمّ إلى جانب "آموس" عدداً من المساعدين، قد طلب فعلاً الحصول على تأشيرات لزيارة بيروت من السفارة اللبنانية بواشنطن خلال الشهر الجاري.

في سياقٍ آخر، شكّكت مصادر أخرى على صلة بتحريك الملف من بيروت بأن يكون أياً من التسريبات التي طُرحت مؤخراً حول الأفكار التي يحملها آموس هوكشتاين صحيحاً، بدليل أنه يعطي لحراكه في الملف صفة "السرّي للغاية" ولا يبيح عن أفكاره الحقيقية التي يسعى إلى تسويقها على خطوط الأزمة. وفي هذا المجال أبدت المصادر اعتقادها، بأن ما يحمله هوكشتاين ربطاً بتغريدته الأخيرة حول التعاون في مجال الطاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، يتّصل برعاية الطرفين لمشروع خطوط الغاز المتدفّقة من المتوسط باتجاه قبرص وعبرها نحو أوروبا، إذ يتّخذ الجانب الأميركي صفة الراعي والشريك عبر شركاته، بينما يلتزم الطرف الإسرائيلي قضايا الإنتاج والحماية، وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أن الطرف الأميركي يعمل في مجال تسويق الغاز منذ سنوات ضمن المنطقة، ولعل دور هوكشتاين يتمثّل هنا، حيث أنه ساهمَ سابقاً في مساعدة جمهورية مصر على تسويق إنتاجها المكتشف حديثاً مع الغاز بمعاونة شركة "إيني" الإيطالية.

وفي نتيجته، خلص المصدر باعتقادٍ "راسخ أمامه"، بأن مشروع هوكشتاين بدايةً، "خلق فرص" من أجل "توفير ظروف تعاون غير مباشر بين لبنان وإسرائيل" بحجّة الطاقة وضمّ لبنان إلى هذا "المجتمع حديث التكوين"، وهو ما يعني عملياً نوعاً من أنواع التطبيع، ولعلّ ذلك سيساهم في إفشال مشاريع هوكشتاين، سيّما وأن جانباً سياسياً وازناً وممثّلاً في مجلس النواب وله امتدادات شعبية، يرفض مثل هذه الطروحات جملةً وتفصيلاً.

وعطفاً على ما ورد، أشارت المصادر إلى أن الخلاف القائم حالياً بالنسبة إلى لبنان، ليس له صلة بتفسير الطريقة الأفضل لترسيم الحدود سواء كانت تحت الماء أم فوقها، وإنما الخلاف يقع حول الجهة الصالحة لرعاية هذا الترسيم ومن أين يبدأ ومعايير الترسيم، وطبيعة العقد القائمة حالياً والتي لا تزال كما هي، إذ يطالب الجانب الإسرائيلي بالحصول على الخطّ رقم 1 ، ما يعني أكل كامل منطقة الـ860 كيلومتر مربع والتي يقول الجانب الرسمي اللبناني أنه يمتلكها، وصولاً للخطّ رقم 23، الذي أعلن كلّ من رئيس الحكومة ووزير الخارجية اللبنانيين مؤخراً، أنها تمثّل خطّ الحدود اللبنانية. بناءً عليه، يبقى الخلاف في تفسير المنطقة التي تمثّل حقاً شرعياً للبنان، والتي يسودها الخلاف بين جانبٍ يقول أن رأس الحدود هو الخطّ 29 مستنداً على معايير دولية مُعتمدة في الترسيم، وآخر سياسي يقول إن الخطّ الأفضل بالنسبة للبنان والذي يجب اعتماده، هو الخطّ 23 والذي ترى فيه المصادر "خطاً سياسياً وليس خطاً قانونياً يمنح كامل الحقّ للبنان".

إرسال تعليق

أحدث أقدم
يرجى الدردشة مع فريقناسوف يرد المسؤول في غضون بضع دقائق
مرحبًا ، هل هناك أي شيء يمكننا مساعدتك به؟ ...
ابدأ الدردشة ...