كلّهم محشورون... بانتخابات لن تغيّر!


 من السذاجة الاعتقاد بأنّ تغيير الواقع السياسي والنيابي الحالي مُمكن عبر قانون انتخابي وصف من اللحظة التي أقرّ فيها في العام 2017، بأنّه القانون المسخ والأسوأ في تاريخ القوانين التي حكمت لعبة الانتخابات منذ نشوء لبنان ولا يمكن له بالتالي، بخلطته اللامنطقية، وصوته التفضيلي العجيب الغريب، ونسبيّته الهزيلة غير المسبوقة في أي دولة في العالم، أن يؤدّي ولو إلى تغيير طفيف!

ليس في هذا الكلام افتراء على القانون الانتخابي الحالي، أو حسم وهمي ومسبق ومتسرّع لنتائج انتخابات 15 أيّار، أو نعيٌ مسبق لوعود التغيير التي دأبت قوى سياسية على دحرجتها على رؤوس اللبنانيين منذ 17 تشرين الاول، ووعدتهم بأنّ شمس التغيير ستسطع في ربيع الـ2022 بل انّ الجواب اليقيني والواقعي والموضوعي والعقلاني مُصاغ سلفاً بأنّ نور الشمس الموعودة لن يبزغ ابدا من رحم قانون انتخابي متخلّف وقمة السذاجة هنا، لا بل قمة الغباء افتراض انّ المكوّنات السياسيّة في البلد غافلة عن هذه الحقيقة، التي تؤكّدها استطلاعات هذه المكونات للأرض الانتخابية، وكذلك تؤكدها خلاصات مراكز الدراسات والاحصاءات المحلية والخارجية التي التقت جميعها على أن لا تبدّل يذكر في الخريطة النيابية التي ستفرزها انتخابات أيار، عن الخريطة القائمة حالياً، ما يعني بقاء القديم على قدمه.


تلك الحقيقة صادمة بالتأكيد لكلّ فصيل حراكي أودع في بنك السياسة الداخلية، منذ نزول الناس إلى الشّارع في 17 تشرين، رصيداً من الشّعارات الكبرى لصرفه في انتخابات 15 أيّار بما ينسف التركيبة الحاكمة، التي تتّهمها الحراكات على تعدّدها واختلافها، بجرّ لبنان إلى الكارثة التي حلّت به فنقطة الضّعف الأساس هنا، هي أنّ هذه الحراكات على تعدّدها وتنوّعها واختلافاتها وتشتّتها، تبدو أضعف من أن تملك قدرة اختراق تحصينات قانون انتخابي مفصّل شكلاً ومضموناً على مقاسات سياسيّة، لا رابح فيها سوى القوى السياسية التي أعدّت هذا القانون. وربّما هذا ما يبرّر انكفاء معظم القوى المصنّفة حراكيّة عن المشهد الانتخابي، بحيث لا يبدو لها أثر أو دور ملموس في هذه اللعبة.

 

وتلك الحقيقة مُحرجة أيضا، لكلّ طرف سياسيّ زاحم انتفاضة اللبنانيين في تشرين، وكبّر حجر الوعود والتوقّعات التغييريّة الجذريّة، وزرع في ذهن الجمهور مقولة كسر الأكثرية الحاكمة وبناء أكثرية جديدة على أنقاضها.

 

بالتأكيد انّ لهذه الوعود والشعارات جمهورها العريض الذي دغدغت مشاعره وطموحاته، ولكن ماذا سيكون حال هذا الجمهور، بل ماذا سيقال لهذا الجمهور، حينما تحين لحظة الحقيقة ويذوب الثلج ويرى نفسه عالقا ومقيّدا امام حائط سميك سياسي، وطائفي، ومذهبي، بناه قانون انتخابي يحبط الطموحات ويقفل كلّ أبواب التغيير والتطوير، ويجعل كلّ ما طرح من وعود وشعارات وعناوين كبرى مجرّد شيكات بلا رصيد!عملياً، ومع تحديد موعد الانتخابات وفق قانون الصوت التفضيلي والنسبية المشوهة، تقلّصت مساحة اللعبة السياسية وتبدّلت أوراق اللعب الدّاخلية. وفرضت مقاربة للمشهد الداخلي بحجمه وعلى طبيعته، من دون ايّ مبالغات، او تضخيم، او احجار كبيرة أكبر ممّن يسعى الى حملها، او ثقة زائفة مدّعاة بالنفس، وبعيداً عن كلّ ما يمتّ الى الجلبة السياسية التي جرى احداثها وتعميم ضجيجها على كل الارجاء الداخلية لما يزيد عن السنتين. حيث ان كلّ اللاعبين على الحلبة الانتخابية، باتوا طوعا أو رغماً عنهم، أمام لحظة الحقيقة، خاضعين لأمر واقع عنوانه العريض اللحاق بالاستحقاق الانتخابي.

 

ومن الطبيعي تبعاً لذلك، أن تتدرّج أولوية هؤلاء اللاعبين من العناوين والشعارات الكبرى، نحو الواقعية، اي إلى حدود ضيّقة جداً، أقصى المراد فيها بلوغ «حواصل»، والحفاظ على أحجامهم ضمن دوائرهم الإنتخابيّة، وطبعاً مع الحفاظ على عدةّ الشّغل التقليديّة لشحن الجمهور على امتداد رقعة الشطرنج الإنتخابية، وتحضيره للمعركة على باب استحقاق أيّار وجذبه الى صناديق الاقتراع.

 

على أنّ تدرّج اللاعبين المحليّين نحو الواقعيّة، لا يشي بأنّ معركتهم الانتخابية متساوية في صعوبتها أو سهولتها. بل هي بالتأكيد صعبة على فريق اكثر بكثير مما هي صعبة على فريق آخر حيث ان غالبية الاستطلاعات تصل الى الخلاصة التالية:


 أولاً: ثنائي حركة «أمل» و»حزب الله»: اكثر المرتاحين لوضعهما الانتخابي في كلّ الدوائر التي تعنيهما. وامكان اختراق صفوفهما تقارب الاستحالة.

 

ثانيا: الوضع الدرزي: ليس من الصلابة التي تجعل وليد جنبلاط يحسم مسبقا بأنه الغالب الوحيد في الطائفة، فالتهديد ليس متأتياً من جبهة طلال ارسلان الذي له خصوصية معيّنة، بل من عزوف تيار المستقبل وتشتّت او انكفاء الصوت السني الداعم، وخصوصا في الشوف والبقاع الغربي وبيروت، وايضا من حزب وئام وهّاب وإمكان تحقيقه اختراقا جديا هذه المرّة على حساب الحزب التقدمي الاشتراكي. وهذا ما قد يكون الدافع لاستعجال جنبلاط في عقد التحالف الانتخابي مع «القوات اللبنانية».

 

ثالثا: التيار الوطني الحر: ثمة عوامل كثيرة تضافرت، سواء على مستوى الاداء السياسي واشتباكاته مع الجميع، أو على مستوى تجربته في الحكم والسلطة بما جعله الهدف الاول لانتفاضة 17 تشرين، وأثّرت على المزاج المسيحي العام حياله. لكن هذا المزاج شيء، وصناديق الاقتراع شيء آخر، ذلك أنّه على الرغم من الإعتقاد العام بأنّ التيار قد تراجع انتخابياً، فإنّ إعادة تأكيد تحالفه مع «حزب الله» (وربّما مع حركة «أمل» لضرورات انتخابية لا سياسية) ) قد يمكّنه من الحفاظ على حجم نيابي ما.


رابعاً: في لحظة معينة خلال تطورات السنتين الأخيرتين، وما شهدتهما من حراكات في الشارع، وسقطات سياسية للتيار الوطني الحر، صعد نجم «القوات» الى حدّ جعلها تثق بتصدّرها قمة التمثيل المسيحي، وهذا الاعتقاد شارَكها فيه غالبية القوى السياسية. وليس خافيا هدف «القوات» الوحيد والاساس في كسر أكثرية التيّار الوطني الحرّ وإسقاطه من موقع الممثل الأقوى في الشارع المسيحي.

 

ولكن واقع الدوائر الانتخابية، يضع «القوات» امام معركة صعبة، ذلك انّ ما خسره التيار الوطني الحر على المستوى الشعبي لا يعني أن «القوات» ورثته يضاف الى ذلك انّ «القوات» منفردة لا تستطيع ان تحسم المعركة ضد التيار وتحقّق هدفها بكسره، او حتى أن تحافظ على حجمها الحالي من دون تحالفات صلبة مع قوى أخرى؛

 

خامساً: كل الاطراف محشورون، والاشهر الثلاثة الفاصلة عن موعد الانتخابات النيابية تشكل امتحاناً لكلّ منهم، عنوانه رفع نسبة المقترعين وجذبهم الى صناديق الاقتراع وعلى ما هو واضح فإنّ هذا الامتحان يبدو صعبا، حيث لا تخفى الخشية من أن تكون الازمة الاقتصادية وتفاعلاتها، مع الاداء السياسي الذي رافقها بارتكاباته وإخفاقاته وانقساماته، قد أسّست بالفعل للحزب الأكبر في لبنان، اي حزب «القِرفانين» والمنكفئين والمقاطعين للانتخابات.يبقى في موازاة هذه الصورة، انّ الحلبة الانتخابية دخلت في لعبة اتهامات متبادلة بتعطيل الانتخابات، ومن دون ان يثبت اي طرف اتهاماته للطرف الآخر بوقائع وأدلة ملموسة، وهو الامر الذي اثار علامات استفهام حول مصير الانتخابات وتشكيك في امكان اجرائها.

 

بالأمس، قال احد المراجع ان لا قدرة لأيّ طرف داخلي على تعطيل الانتخابات، كما لا قدرة له على تحمّل تبعاتها وارتداداتها عليه وقد زاد هذا المرجع على كلامه ان هذه الانتخابات على علّاتها ستجري بالتأكيد وفق القانون الحالي بكل تشوهاته، وحتى لو كان ثمة من يطبّق على هذه الانتخابات المثل القائل «الجنازة حامية والميّت...» وقد يكون التعطيل وارداً في اذهان البعض، ولكن ما يجب ان يكون معلوما هو ان التعطيل يعني لا تمديد لمجلس النواب، ولا حكومة، ولا انتخابات رئاسية، ما يعني الفوضى، والفوضى قد توصل الى مكان سياسي او امني او مالي، لا يعود في الامكان اعادة التقاط البلد الّا بعملية جراحيّة في نظامه السياسي، وهذا يعني مؤتمراً تأسيسياً. وبالتأكيد ان المؤتمر التأسيسي، أيّاً كانت قواعده، له أثمانه الباهظة، فهل ثمّة في الداخل من هو قادر على دفع الثمن؟

إرسال تعليق

أحدث أقدم
يرجى الدردشة مع فريقناسوف يرد المسؤول في غضون بضع دقائق
مرحبًا ، هل هناك أي شيء يمكننا مساعدتك به؟ ...
ابدأ الدردشة ...