"بيضة قبّان" المجلس الجديد


 لم يعد يُخفى أن المشروع الدولي المركّب للإنتخابات الآتية هو الإتيان بـ"فرقة نيابية" للتدخّل السريع عند الحاجة، وقدرة هذه الوحدة وحدودها الرقمية هو المهمّ.

التصوّرُ المبدئي الذي وصلت إليه غالبية القوى الخارجية المهتمّة بالشأن اللبناني، أن حدود أحلامها في مسألة "قلب الحكم" بطريقة سلمية ديمقراطية عبر الإنتخابات، متواضعة، فعداك عن لعنة النظام اللبناني أو الواقع اللبناني الطائفي – المذهبي المُشربك الفريد من نوعه، والذي يعيق إتمام مثل هذه الإنقلابات، هناك مشكلة عدم فعالية القوى البديلة المقترحة للحلول مكان هؤلاء أو بالحدّ الأدنى، سلبهم جزءاً من امتيازاتهم، فذهب هؤلاء نحو التحفّظ. 

لكن ذلك لا يعني مطلقاً التراجع عن الأهداف بل "لبننتها" إن صحّ التعبير، فبدل أن يجري "وخز" النظام بأبرٍ تغييرية وفق السائد تأتي على طريقة "الإنعطافة الكاملة"، لم لا نعود إلى الأسلوب الذي اعتمده وليد جنبلاط سابقاً، وأهّله لأن يكون "بيضة قبّان" النظام لأطول فترة ممكنة، ما سهّل له الإنغماس في السلطة رغم محدودية حضوره على المستوى النيابي والشعبي و الديمغرافي؟إذاً نحن هنا أمام مشروع إمرار "كتلة نيابية" محدودة العدد إلى مجلس النواب، لتشكّل "بيضة قبّان" حديثة، لكن يجدر أن تكون هذه "البيضة" موزعة ليس على صفَارين وإنما أكثر، وحدودها وفق ما بات سائداً لا يتعدى 8 إلى 10 نواب.

هؤلاء وفيما لو حصل ذلك، يمكن إمرارهم إلى مجلس الوزراء على شكل وزير واحد، ويمكن أن يشكّلوا حالةً نوعية "إشتباكية وإشكالية" ضمن مجلس النواب، ويأمل أن يسير الرعاة بهم إلى حدود انتخابات عام 2026 إن أُجري إستحقاق 2022، على أن تكون المسافة الفاصلة بين التاريخين، مشروع تسويق وترويج لهذه البذرة، يشبه إلى حدٍ ما مشروع ترويج تغييرية زياد بارود ذات 2009!

لكن من أية أصناف ستتشكّل هذه الكتلة، وماذا عن طبيعة تركيبتها الطائفية؟

ليس سراً أن جمعيات المجتمع المدني و الـNGOs ينشطون بكثرة هذه الأيام، ولعلّ هؤلاء يستهدفون بيئات محددة، تغلب عليها النزعة المسيحية بشكل واضح، لكن ذلك لا يعني أن البيئات الأخرى كـ"الشيعية" مثلاً مُستثناة.

أضف إلى ذلك، أن من يرعى هؤلاء، توصّل قبل مدة إلى أن الأحزاب التقليدية لم تعد تصلح لإدارة الحالة اللبنانية بمفهومها الجديد، فوجب إنتاج بدلاء. هؤلاء، يُتوخى منهم أن يرثوا الحالات السياسية، ولو كان ذلك صعباً بالنسبة إلى البعض لأسبابٍ تتعلق بتجذّر "أبناء المنظومة" وتعلّقهم في كراسيهم وطوائفهم، لكن يبقى أن المحاولات ستجري، ولعلّ الأسلحة متوفّرة، من العقوبات وطلوع.

من زاوية أخرى، كان أحد المراجع قد غمزَ قبل مدة في لقاء خاص، بأنه قرأ عن مشروع له علاقة بتوريث الأحزاب للمنظمات، ولا بدّ أن ذلك يعني تحوّل بعض الأحزاب إلى منظمات، كي تستلحق نفسها، وعلى الأعمّ الأغلب، إن هؤلاء "المحظيين بموافقة" من يموّل المنظمات، لن يجدوا عائقاً في تحوّلهم متى أن الضمانات حيال أفكارهم السياسية متوفرة!

بالعودة إلى نشاط الجمعيات، فالغالب يظهر أنها تتمركز ضمن المناطق المسيحية، ولعلّ البعض يعتقد أن "موجة التغيير" ستبدأ من هناك، على اعتبار أن العمل السياسي "مرن أكثر" في البيئات المسيحية الميّالة إلى التعددية على عكس "الطبقة الشيعية الصلبة" على سبيل المثال لا الحصر، والمقفلة إلى حدٍ ما أمام التعددية بفعل انضواء الأكثرية الشعبية إلى جبهة الثنائي مع ذلك، تحاول المنظمات التسرّب إليها عبر استغلال قضايا إجتماعية، مستفيدةً طبعاً من جوّ الأزمة الإقتصادية.

ومع أن هذه البيئة صلبة ولا بدّ أنها لا تعطي أصواتها لغير المقاومة سيّما في الجنوب، لكنها في نفس الوقت تبدي عدم رضى على خيارات الثنائي و الحزب منه تحديداً، وهي الزاوية التي تستغلّها بعض المنظمات في المراكمة عليها.

درزياً، الوضع ليس أسهل، ولعلّ المناطق الدرزية تشهد على تقلبات مزاجية سياسية حادة، توحي بأن "البيك" لم يعد يمسك الأرض كما كان يفعل سابقاً، وهذا قد يؤدي إلى تشقّقات إجتماعية تأخذ ابعاداً سياسية، وهو بالفعل ما تعمل عليه بعض الجمعيات.

لكن هل يصبح متوفراً أن تطال المنظمات كتلةً إنتخابية عابرة فوق الطوائف؟

على الأعمّ الأغلب لا، وفي ضوء الحالة الراهنة، يمكن القول أن في استطاعة هؤلاء، إستمالة أصوات مسيحية تؤدي ببعض المرشحين إلى بلوغ مرتبة المجلس النيابي، ومن الواضح أن الشيء نفسه يُراد تعميمه على البيئة السنّية الداخلة في تطاحنٍ سياسي، تغلب عليه النزعة بين استمرار الحريرية السياسية وفق شكلها القديم ومن ضمن تمثيل عائلي، أو إدخال تعديلات عليها بحيث تصبح نهجاً يتيح لأكثر من طرف تمثيلها من خارج المفهوم العائلي، فهل ينجحون، ربما لا، مثلها مثل البيئتين الشيعية والدرزية، وعلى الأرجح سينحصر حضور الكتلة ضمن "المجتمع المسيحي". ما حدود قدرتها في حال إنجاز ذلك؟ للبحث صلة.

إرسال تعليق

أحدث أقدم
يرجى الدردشة مع فريقناسوف يرد المسؤول في غضون بضع دقائق
مرحبًا ، هل هناك أي شيء يمكننا مساعدتك به؟ ...
ابدأ الدردشة ...