تخبّط وإنكار بعد سقوط التسويات

 


إذا كان قرار رئيس تيار "المستقبل" سعد الحريري بمقاطعة وتعليق مشاركته في الحياة السياسية وبالإنتخابات النيابية، يهدف أولاً إلى رفض الإستمرار بنهج التسويات، وثانياً مواجهة واقع الإنكار التي يعيشها أكثر من مسؤول على الساحة الداخلية للإنهيار الداهم، فإن القراءة الأولية للتداعيات السياسية التي ظهرت بعد مرور 48 ساعة على الإعلان "الحريري"، تشير إلى إرباك وتخبّط واضحَين على أكثر من ساحة، وليس فقط على الساحة السنّية، أو ساحة الفريق السياسي الذي كان يُعرف بفريق الرابع عشر من آذار.


فالصدمة التي أحدثها قرار المقاطعة، لن تتوقّف عند حدودٍ معينة، حيث تتحدّث أوساط سياسية واسعة الإطلاع، عن تردّدات على مساحة الوطن، شبيهة بمفعول "الدومينو" الذي سقطت القطعة الأولى فيه، وباتت القطع التالية مهدّدة كلها بالسقوط جرّاء الخلافات والإنقسامات الحاصلة بين أكثر من طرف وفريق، وذلك، عشية استحقاقات داخلية وإقليمية، تبدأ بالخروج من واقع الإنهيار ولا تنتهي بالإستحقاق الإنتخابي النيابي، الذي سيرسم المعادلة السياسية المقبلة، وطبيعة تكوين السلطة التشريعية، في ظل شغور مقاعد كتلة تيار "المستقبل" في المجلس النيابي الجديد.وبانتظار استقرار الخطاب السياسي بعد الزلزال الذي أحدثه قرار الرئيس الحريري، فإن هذه الأوساط نفسها، لا تتحدّث عن فراغ أو شغور، ثم ترقّب للجهة التي ستشغله، بل على العكس، تكشف عن عملية خلط أوراق على نطاقٍ واسع محلياً وخارجياً، يتمّ على أساسه تحديد المسار والوجهة النهائية للتطوّرات اللبنانية عموماً، وستتبلور مع الردّ اللبناني على الورقة الكويتية، والتي حملت ما يشبه خارطة الطريق العربية والدولية للسلطة الحالية للخروج من دوّامة "جهنّم" المقفلة حتى الساعة على قرارٍ بالتدمير المُتعمَّد، وذلك، وفق ما وصف تقرير البنك الدولي الأخير الوضع اللبناني، وركّز فيه على معادلة الإنكار والكساد المُتعمَّد من قبل "النخبة" السياسية اللبنانية، والتي لا تزال قائمة اليوم.

وفي ظلّ عشرات الأسئلة المطروحة حول المسار المرتقب للمرحلة السياسية بعد مقاطعة الحريري لها، تضيف الأوساط السياسية، أن السيناريوهات تزدحم، وأبرزها أن معادلة التوازن السياسي قد تعرّضت للإهتزاز، وبالتالي تهاوت كل التسويات ولم يعد من الممكن الحديث عن مرحلة جديدة، بل عن مجرّد إدارة للأزمة، في لحظةٍ يفتقد فيها لبنان الدعم العربي والدولي بعدما تحوّل إلى ساحة للصراعات الدائرة في المنطقة، وصولاً إلى أن تناشده دول الخليج اليوم بعدم البقاء على كونه منصة لاستهدافها.

لكن الأخطر في كل السيناريوهات المتداولة، وكما تكشف هذه الأوساط، يبقى السيناريو الأمني، الذي قد يطيح بما تبقّى من ربط نزاع بين القوى السياسية الداخلية، وبالتالي، بالإستقرار الهشّ أصلاً، وذلك في الوقت المُستقطَع والضائع حتى نضوج التسويات الكبرى.

إرسال تعليق

أحدث أقدم
يرجى الدردشة مع فريقناسوف يرد المسؤول في غضون بضع دقائق
مرحبًا ، هل هناك أي شيء يمكننا مساعدتك به؟ ...
ابدأ الدردشة ...