"الحزب" يضرب تحت الحزام


 قرّرت السعودية نقل المعركة بوجه "حزب الله" إلى بيروت، بعدما كانت تُخاض وعلى مدى سنين طويلة، على طول جبهات العراق سوريا واليمن. هذا التغيير التكتيكي غير الموضوعي والذي تجاوز حدود جغرافية الصراع المرسومة، إحتاج في المقابل من الحزب إلى تغييرات، فقرار إجراء نقلة شاملة حول توصيفه للصراع وحدوده وإسقاط تعديلات على مفاهيم وأدبيات "معركة المواجهة" ومستوياتها، مقرراً ضم بيروت إلى قائمة العواصم بعدما ساهمت "خبراته" في جعلها تُخاض في عمق الرياض!

أراد الحزب اللعب على المكشوف مع الرياض، فاختار الموافقة على استضافة مؤتمر عام للمعارضة السعودية في عمق العاصمة اللبنانية بتاريخ اليوم (تبدأ أعماله الساعة 3:30 من عصر هذا اليوم وذلك في مجمع المجتبى – حي الأمركان)، ليس ذلك فقط، وإنما ارتضى حتى رعاية المؤتمر وتكليف رئيس هيئته التنفيذية أي إحدى أرفع الهيئات في الحزب تمثيله، فردّ المنظمون التحية وخصصوا للسيد هاشم (صفي الدين) كلمة!القاعدة تقول: إذا ما أرادت السعودية نقل المواجهة مع "المحور" إلى بيروت، فـ"المحور" جاهز بدوره لنقلها إلى السعودية بالمعنى السياسي، وعلى نفس الوزن، وإذا ما كان السعوديون "يُبدعون" في استيلاد و إنتاج مجالس و هيئات اعتراض "محلية" بوجه "حزب الله" (أو هكذا يظنون) وتحت عنوان "التحرير" من الإحتلال الإيراني وما شابه، فلماذا لا يدعم الحزب حركات نضال من أجل "تحرير" شبه الجزيرة العربية من حكم "آل سعود"؟

القضية ببساطة مواجهة "على الساخن" بعدما انقضى زمن المواجهات "على البارد"، والسعوديون يعلمون جيداً تكلفة مراوغة ومقارعة الحزب  في منطقة جزائه.

يبقى الموقف السياسي اللبناني ووفقَ أي شكل سيكون. المعهود، أقلّه في زمن الوزير "المستقيل" جورج قرداحي، وما بعده أن الإنبطاح و "سياسة النعامة" هما المعتمدان نسبياً، هنا، هل سيتكرّر الموقف الذي اتُخذ في شأن التعاطي مع المؤتمر الصحفي الحقوقي للمعارضة البحرينية في بيروت؟ بناءً على هذا الموقف سيبني الحزب موقفه، وإن ساد الظنّ الغالب صوب مواجهة من العيار الثقيل، ستدور رحاها على الأراضي اللبنانية تحت هذا العنوان ما دام أن "الحزب" اختار الضرب تحت الحزام.

لغاية الآن، فإن موقف الحكومة اللبنانية سيُبنى على أمرين: مشروعية اللقاء ونوعية الكلام والمواقف التي سيُدلى بها خلاله. في الغالب، تمثّل هذه الإدّعاءات مواقف إلهاء الجميع يعلم أن الموقف اللبناني الذي سيُبنى "في الشكل" على "قضية المؤتمر" مُتّخذ سلفاً، وسيكون منحازاً إلى جانب المملكة العربية السعودية التي ستطلب من الحكومة اتخاذ موقفٍ صريح ٍمن الذي يجري، وفي الغالب اعتبار المؤتمر "تدخلاً في الشأن السعودي أو بمثابة اعتداء" على المملكة، وفرقة "الهيّيصة" موجودة!

بناءً على ذلك، كيف يمكن تصنيف التدّخل السعودي في صلب السياسة اللبنانية مثلاً؟ وطالما أننا نطرح أفكاراً قابلة للحدوث، قد تطلب السعودية –وهذا يتولّى استباقه عادةً- وزير الداخلية بسام المولوي، ملاحقة المعارضين السعوديين على الأراضي اللبنانية، أي المعارضين الذين ما توقفت الرياض عن ملاحقتهم يوماً في العاصمة اللبنانية إبتغاءً لتطبيق "سيناريو الخاشقجي" عليهم، فكيف ستتصرف الحكومة؟

في البدء ستنصاع، وهذا سيرتّب عليها شؤوناً سياسية قد تتجاوز بخطورتها مسألة الخلاف حول وضعية القاضي طارق البيطار. من الواضح إنها ستتعامل مع القضية بصفة "الواجب" ومن مقام الخنوع والتنفيذ، أي كما تصرفَ من سبقها قبل نحو 3 أعوام تقريباً حين أقدمت الرياض على اختطاف معارض سعودي من مطار بيروت الدولي بعدما تم توقيفه بتهمة محاولة دخول الأراضي اللبنانية بأوراق مزورة، و بتواطؤ من قبل أحد الأجهزة الأمنية اللبنانية الذي عمل على تسليمه إلى الرياض بذريعة وجود مذكرة دولية بحقه، وكما تصرفت حيال محاولة الرياض اختطاف رئيس تيار الكرامة السعودي المعارض معن الجربا من بيروت أيضاً الموقوف حالياً في تبليسي عاصمة جورجيا و المهدد بالترحيل ليلتحق بمصير من سبقه.

ليس سراً أن الرياض تمارس التهديد بحق المعارضين السعوديين المتواجدين "بشكل شرعي" على الأراضي اللبنانية. قبل مدة قصيرة، وجّه أحد الاجهزة الأمنية تحذيراً إلى مجموعة معارضين سعوديين من مغبة اختطافهم، وقد نصحهم بـ"الحدّ من تحركاتهم وتنقلاتهم"، فلجم هؤلاء أنفسهم واستقروا في منازلهم في حالة أشبه بـ"الإقامة الاجبارية" مع تعمّد تبديل منازلهم وشرائحهم الهاتفية اضافةً إلى حساباتهم الإلكترونية بشكلٍ دائم ومستمر. قرار تغطيتهم الآن قبل حزب الله ورعاية مؤتمرهم في الضاحية الجنوبية قرار لا رجعة عنه، وفي ظل ظروف التهديد آنفة الذكر، يُعد تحول في مسار مقاربة الحزب للقضية.

إذاً الرياض ستمضي في الترهيب ما طُبّق أو ارتُضىَ به زمن جورج قرداحي ما عاد ينفع اليوم. التمادي في التعرض للبنان والإمعان في التدخل في الشؤون اللبنانية سيكبّد مرتكبيه "وجع الرأس" و الأثمان لن تكون سهلة.

إرسال تعليق

أحدث أقدم
يرجى الدردشة مع فريقناسوف يرد المسؤول في غضون بضع دقائق
مرحبًا ، هل هناك أي شيء يمكننا مساعدتك به؟ ...
ابدأ الدردشة ...