من نكد الدهر على لبنان أن يرى القائمين بكل مسعى وجهد وإجراء، محلي إقليمي دولي، يؤمل منه المساعدة على حل أو معالجة أو حتى ترقيع إحدى أزماته العديدة والمتشعبة، يستبطنون نيّة افتعال أزمات إضافية، ويقومون بزرع فتائل تفجير تعطّل المساعي والجهود المبذولة والإجراءات المتخذة والحلول المطروحة من داخلها، بهدف الإبقاء على لبنان ساحة صراع "نموذجية" مفتوحة، ولا يجد الشعب اللبناني غير الاستسلام للأمر الواقع بديلاً.
فعلياً، لبنان بانتظار عزل وتمديد وفوضى وتوتير أمني، ومن الأمثلة المؤدية إلى ذلك:
* المبادرة "الخليجية العربية الدولية" التي نقلها وزير خارجية الكويت الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح:
المؤكد، حتى قبل طرحها، هو استحالة توصل أفرقاء السياسة إلى جواب لبناني موحد بشأنها، خصوصاً أن العُصي فيها أكثر من الجزر، أي أنها مبادرة رفع عتب لتبرير شدّة الغضب الذي ينتظر لبنان ترجماته القاسية، والتي قد تكون إحداها عودة وزير الخارجية عبدالله بو حبيب من اجتماع وزراء الخارجية العرب الدوري في الكويت، الذي سيعقد في 29 من الشهر الجاري، من دون أن يتسلّم خلاله بو حبيب رئاسة المجلس الوزاري العربي في دورته المقبلة. الأمر الذي قد يتطور إلى إمكانية عزل لبنان من جامعة الدول العربية.
* انسحاب الرئيس سعد الحريري من الحياة السياسية:
خطوة أحدثت زلزالاً هزّ الطائفة السنيّة وأربك باقي الطوائف وأخل بالتوازنات الطائفية وخربط الحسابات الانتخابية. لكنها أيضاً، ومن خلال منع الحريري تيار المستقبل من الترشح للانتخابات النيابية، هي خطوة أحدثت ثغرة "ميثاقية" يمكن، وبكل سهولة، النفاذ منها إلى فرض تمديد "شرعي" لولاية مجلس النواب الحالي.
* الموازنة العامة للعام 2022:
موازنة غير متصلة بخطة نهوض شاملة، لا تستحق الوقت الذي استغرقه وضعها في وزارة المالية، ولا الوقت الذي يهدره في هذه الأيام مجلس الوزراء في درسها وإقرارها لإحالتها إلى مجلس النواب، الذي بدوره سيدققها ويمحصها ثم يصوت بالموافقة على عكس ما دقق ومحَّص. الأمر الذي سيفرض على اللبنانيين موازنة خبيثة وخطيرة تستجلب كل أنواع الفوضى.
* الانتخابات النيابية:
سواء تأجلت أو حصلت، ولصالح أي "تحالف" كانت الأغلبية النيابية، فالتوتير الأمني كرد فعل سيكون سيد الموقف والشوارع، وصولاً إلى ما لا أفق له ولا تحمد عقباه.
وبهذا ينطبق على اللبنانيين قول الشاعر: "كَأَهلِ النارِ إِذ نَضِجَت جُلودٌ ... أُعيدَت لِلشَقاءِ لَهُم جُلودُ".