دخولٌ فرنسي على خط الأزمة الحكومية

 


تتعمّق الأزمة الحكومة في لبنان على نحوٍ مضطرد. رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، الميّال لإيجاد حلّ لمعاودة اجتماع حكومته كي يبقى منسجماً مع الشروط الدولية التي أتت به، ثم مع نفسه طبقاً للعهد الذي قطعه بالعمل على إنهاض البلاد من أزمتها، يُعاني من عجز حقيقي بفعل تراكم الرفض من جانب المنكفئين عن اجتماعات الحكومة.


خلال الأيام الماضية سعى رئيس الحكومة وعلى أكثر من مستوى لإعادة ضخّ الحيوية بجسد مجلس الوزراء، لكنه ولغاية الساعة فشل ولم ينجح لعدة أسباب، من بينها عدم وضع يده على الجرح الحقيقي الذي يستنزف حكومته وإنما يستمرّ في اعتماد سياسة الإلتفاف والدوران حول الأزمة ومحاولة مسايرة القوى الرافضة لاجتماع الحكومة، كبديلٍ عن حلّ المشكلة الناشئة عن وجود المحقق العدلي في قضية المرفأ، فضلاً عن المراوغة ورفض الإعتراف بالأسباب الحقيقية التي أدّت لاندلاع الأزمة.

إلى الآن، لا نصاب سياسياً لالتئام مجلس الوزراء، ما يعني أن الدعوة لعقد جلسة "مجمّدة"، يضاف إلى ذلك خللٌ تقني مترامي الأطراف، يتصل بدايةً بعدم إنجاز وزير المال يوسف الخليل، مشروع الموازنة العامة لعام 2022 والذي يُنقل عنه أن عمله "يحتاج لفترة لا تقلّ عن أسبوع ونصف إلى أسبوعين بالحدّ الأدنى"، وثانياً الضرورات التي تحتّم انعقاد جلسة بوجود مشروع موازنة منجز ، على رأسه إيجاد حلّ لمعضلة الأرقام والتي يبدو أنها تنغّص على الوزير عمله، وعليه تصبح إمكانية انعقاد المجلس ضمن السقف الذي سرُّب والمتمثّل في جلسة هذا الأسبوع ساقطة قطعاً، فيما مستقبل انعقادها مرهون ليس بإنجاز المشروع فقط وإنما بالموقف السياسي.

وبمعزل عن "التقني"، ليس سراً أن الرئيس ميقاتي سلك طريقاً سياسياً في الأيام الماضية باتجاه حثّ رئيسي الجمهورية ومجلس النواب على فرض نفسيهما كمحورين للحل. بالتوازي مع ذلك يخوض عبر الإعلام محاولات "أخيرة" للضغط من أجل تكريس موعد انعقاد الجلسة مراهناً على مقاربة الوزراء الشيعة للبعد الإداري. عند رئيس الجمهورية عاد الميقاتي وطرح ذات "النغمة" القائلة برغبته في اجتماع الحكومة تحت ظرف "المهل الداهمة" بما خصّ الموازنة العامة، لكنه لم يربط الإقتراح بآلية واضحة، ولعلّه وضع رئيس الجمهورية في الواجهة. ووفق ذلك عمل الأخير على إعادة الكرة إلى الميقاتي، مع إبدائه رغبة في المساعدة من دون الوعد بتأمين "مساهمات" عملاً بأن الشأن تعود صلاحيته إلى رئيس مجلس الوزراء.

بالنسبة إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري، لا زال هذا الاخير يتموضع ضمن نفس النقطة السابقة، القائلة بإيجاد حلّ لوضعية المحقق العدلي، وهو بالتالي يرفض التعاون بمعزل عن بدء الحديث الجدي بموضوع البيطار. التطور الجديد الذي طرأ تمثل في "عرض تسوية" على بري، بإبقاء المقاطعة قائمة بالنسبة إلى الوزراء الشيعة، والسماح فقط لوزير المال بالمشاركة في جلسة مخصّصة للتداول في بند واحد وهو مناقشة الموازنة العامة، إلاّ أن هذا الإقتراح بحاجة للدرس فيما يجده آخرون "أقرب إلى تكهنات"، ونظراً للإنسداد الحاصل، فإن حصوله يعرّض الثنائي لحرجٍ سياسي ويسهّل اتهامه بازدواجيةٍ في المواقف، وعلى الأرجح لن يقدّم بري موافقته عليه، أو أقلّها لن يقدم على خطوة مماثلة من خارج التشاور مع "حزب الله"، الذي يبدو لغاية اللحظة لا يقيم أي إعتبار للموازنة وإنما تركيزه محصور بإيجاد حلّ للحالة الشاذة قضائياً.

في المقابل، يدرك آخرون ومن بينهم ميقاتي، ضرورة الإسراع في اغتنام فرصة إنجاز الموازنة وبالتوازي إنجاز التحضيرات ذات الصلة باستقدام المساعدة من قبل البنك الدولي وقبيل حضور وفد البنك في الحادي والعشرين من الجاري، أي المساعدة التي يسوّق فريق ميقاتي الإعلامي على أنها "الوحيدة" من أجل ضخّ الروح في الإقتصاد الوطني، لذلك تنشط أو نشطت خلال الأيام الماضية، محاولةٌ لإعادة العجلات إلى السكّة من ضمن تسوية المذكورة أعلاه. بالتوازي مع ذلك، يبدو أن باريس قد أعادت استنهاض جهودها مرة أخرى ووضعتها في خدمة ميقاتي.

ويتردّد في هذا السياق، إحتمال أن يتوفر خلال الفترة القليلة المقبلة "تحرّك فرنسي" على قاعدة محاولة إيجاد خرق في الحائط السياسي بالإستفادة من حضور فرنسا سواء في قضية تأليف الحكومة بالإضافة لما تتمتع به لدى القوى السياسية التقليدية ويتردد أيضاً أن المحاولة الفرنسية "القابلة للدرس"، أصبحت ضرورةً في ضوء التعنّت السياسي الذي أدى إلى 4 أشهر فراغ كاملة من عمر حكومة محكومة أصلاً بالعمر القصير و بالإنجاز المكثّف والسريع.

وتحاول باريس استنهاض القوى تلك، عبر إعطاء الأولوية للإنقاذ المالي وسط تحذيرات وصلت إلى بيروت، من مغبّة "الضياع في الأزمة المالية" في حال لم يتمّ إيجاد حلول سريعة. ويقدم هؤلاء الـIMF كحلّ وحيد ونهائي لكبح انهيار لبنان.

إرسال تعليق

أحدث أقدم
يرجى الدردشة مع فريقناسوف يرد المسؤول في غضون بضع دقائق
مرحبًا ، هل هناك أي شيء يمكننا مساعدتك به؟ ...
ابدأ الدردشة ...