لماذا اختار الحريري الانسحاب من المشهد السياسي... وما هي الاسباب؟


المؤكد ان الرئيس سعد الحريري عاد من الامارات بقرار لا رجعة عنه، اعتزال السياسة حتى اشعار آخر. اما اللقاءات والمشاورات التي اجراها مع اهل البيت ومع بعض الاصدقاء والحلفاء، فلم تكن سوى مجرد تحرك شكلي ممزوج بالعاطفة لاعلان اعتزاله المؤقت من بيروت وليس من اي مكان آخر.

الجميع او معظم الاوساط الشعبية والسياسية ادركوا منذ فترة غير قصيرة، ان الحريري اخذ ينسحب تدريجا من الساحة السياسية، بعد ان ادرك ان الضغوط عليه تفوق قدراته، وهي اكبر من كل المحاولات التي بذلت على غير صعيد لبقائه شريكا سياسيا في لبنان، ومن الخطأ حصر اسباب قرار الحريري الانسحاب من المسرح السياسي في المرحلة المقبلة بسبب واحد، لكن الصحيح ايضا، ان هناك عاملا قويا اثقل كاهله منذ فترة طويلة ساهم مساهمة رئيسية في خروجه او اخراجه من المشهد السياسي حتى اشعار آخر.

ولا يختلف الخصوم والحلفاء، ان هذا العامل المؤثر بقوة الى قراره هو الموقف السعودي منه شخصيا ومن «تيار المستقبل» كنهج واداء وهيكلية سياسية. اتخذ ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان منذ توليه السلطة قرارا لا رجعة عنه بتصفية حساب الحريري السياسي دون ان يفكر بالبديل السني، واكتفى في مرحلة لاحقة بعد حادثة احتجازه ثم الافراج عنه بوساطة الرئيس الفرنسي ماكرون بالتعامل مع رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع كحليف رئيسي للمملكة في لبنان، مضافا له بعض المنصّات السياسية غير الفاعلة والمؤثرة في الشارع وفي غير الشارع.

ادرك الحريري منذ ذلك الوقت ان «الفيتو» السعودي لن يرفع عنه بسهولة، وانه بات امام خيارين: اما فكّ الارتباط مع الرياض وسلوك مسار آخر، وهذا غير وارد او ممكن عنده، او التوجه الى الاصدقاء الدوليين لرأب الصدع مع القيادة السعودية، لكن الوساطات الدولية لا سيما وساطة الرئيس الفرنسي ماكرون فشلت غير مرة، ما احبط باريس فاختارت الاستسلام للامر الواقع والرهان على الرئيس ميقاتي لخلافة الحريري في رئاسة الحكومة.

اصيب الحريري بخيبة امل من الرهان على الوساطة الدولية، ولم ينجح رهانه ايضا على مسعى مماثل لمصر والامارات، فوجد نفسه امام خيار الانسحاب من المشهد السياسي والنيابي الى حين توافر فرصة عودته الى الساحة السياسية اللبنانية.

والى جانب عامل «الفيتو» السعودي، واجه الحريري ظروفا معقدة وصعبة في الداخل اللبناني، خصوصا من قبل الرئيس عون وصهره باسيل بعد سقوط التسوية معهما واستقالته بعد اندلاع انتفاضة ١٧ تشرين في خطوة احادية ساهمت في حشر العهد وزيادة نقمته عليه.

رفض الحريري بعد ١٧ تشرين ٢.١٩ عقد اتفاق او تسوية جديدة مع الرئيس عون وباسيل، وراهن لاحقا بعد انفجار المرفأ وتداعياته تشكيل حكومة من وزراء اختصاص مستقلين اقرب الى مواصفات وشروط المجتمع الدولي وخصوصا واشنطن والاتحاد الاوروبي، لكنه اصطدم بعقبتين اساسيتين: معارضة رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر بالدرجة الاولى، وغياب مؤازرة حلفاء الامس، بل سعيهم بكل قوة ايضا لافشال مهمته وهدفه.

اما الثنائي الشيعي فقد حاول قدر المستطاع ان ينجح بتشكيل حكومة اختصاصيين تكون موضع ثقة سياسية ونيابية، لكنه فشل في تحقيق هذه المعادلة لاسباب عديدة، داخلية ابرزها من تعنّت الرئيس عون وباسيل، وخارجية ابرزها الضغوط السعودية التي ازدادت على الحريري وساهمت باعتذاره.

والى جانب هذه العوامل السياسية والخارجية، برزت عوامل اخرى منها ما يتعلق بوضع «تيار المستقبل» وتراجع شعبيته نسبيا مثل باقي التيارات والاحزاب، ومنها ما يتعلق بوضعه الشخصي والازمة المالية التي حلّت به، خصوصا بعد تصفية شركة «اوجيه» وتراكم الديون عليه نتيجة ما انفقه على غير صعيد.

ومما لا شك فيه ان الحريري وجد نفسه مجبرا على الانسحاب من المشهد السياسي والانكفاء حتى توافر ظروف اخرى تعيده الى الساحة مجددا، لكنه بقي رغم كل الضغوط متمسكا بهوية الاعتدال ورفض الانخراط في اي مشروع يصبّ في اشعال فتنة طائفية او مذهبية في البلاد، وربما يكون هذا الموقف احد الاسباب التي ادت الى الاطاحة به وبتياره في هذه المرحلة.

إرسال تعليق

أحدث أقدم
يرجى الدردشة مع فريقناسوف يرد المسؤول في غضون بضع دقائق
مرحبًا ، هل هناك أي شيء يمكننا مساعدتك به؟ ...
ابدأ الدردشة ...