لا استقالة ولا إقالة.. حلّ الأزمة الديبلوماسية مع دول الخليج في مكانٍ آخر!


 جاء في الديار:

لم يحمل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي معه بعد عودته من قمّة المناخ في غلاسكو ولقائه رئيسي الجمهورية العماد ميشال عون ومجلس النوّاب نبيه برّي، «كلمة الفصل» في ما يتعلّق بالمخرج للأزمة الديبلوماسية بين لبنان والسعودية وعدد من دول الخليج. 

غير أنّ ميقاتي طالب وزير الإعلام جورج قرداحي ب «تحكيم ضميره واتخاذ الموقف الذي ينبغي اتخاذه وتغليب المصلحة الوطنية على الشعارات الشعبوية»، مراهناً على «حسّه الوطني لتقدير الظرف ومصلحة اللبنانيين وعدم التسبّب بضرب الحكومة وتشتيتها بحيث لا تعود قادرة على الإنتاج والعمل، وتضييع المزيد من الوقت»... 

ورأى في عودة الحكومة الى الإجتماع أولاً، والالتزام بسقف البيان الوزاري ثانياً، واستقالة قرداحي ثالثاً أولويات الحلّ، عارضاً خارطة الطريق الطبيعية هذه للخروج من الأزمة فهل هذا يعني دفع قرداحي الى الاستقالة من دون إقالته، رغم تشديد ميقاتي على عزمه على معالجة هذا الملف وفق القواعد السليمة وعدم تركه أبداً عرضة للتساجل والكباش السياسي؟ وهل إذا قدّم قرداحي استقالته وجرى تعيين وزير بديل عنه، تنتهي الأزمة وتتخذ السعودية والبحرين والكويت والإمارات قرار رفع المقاطعة عن لبنان؟ أم ستُدخل لبنان بأزمة أخرى جرّاء تصريحات وزير الخارجية والمغتربين عبدالله بو حبيب المسرّبة؟! وماذا سيكون عليه موقف الوزراء الشيعة بالتالي في حال جرت الدعوة الى انعقاد الجلسات الوزارية؟!

مصادر سياسية عليمة رأت أنّ ميقاتي عاد من قمّة غلاسكو بعد أن أجرى محادثات مع عدد كبير من المسؤولين الأجانب والعرب، بما جرى إعلانه من هناك أنّ «حكومته باقية واستقالتها غير واردة في الوقت الراهن»، غير أنّ هذا الأمر لا يضمن استئنافها لعقد جلساتها الوزارية واستمرار عملها الذي لم ينطلق بعد، كما يجب. 

وفي ما يتعلّق باستقالة الوزير قرداحي، فلا يمكن لميقاتي أن «يُرغمه» على تقديمها، ولهذا طلب منه تحكيم ضميره مراهناً على حسّه الوطني، كون «تعطيل» عمل الحكومة ليس مطلوباً في ظلّ الظروف الصعبة الراهنة التي تمرّ بها البلاد، بل على العكس تفعيل دورها والقيام بما نصّ عليه بيانها الوزاري لا سيما ما يتعلّق بالإصلاحات المطلوبة وبإجراء الانتخابات النيابية في موعدها.

غير أنّ تصريحات الوزير قرداحي، لم تتسبّب هي بعرقلة عمل الحكومة، على ما أوضحت المصادر، بل أحداث الطيّونة فمنذ 14 تشرين الأول الفائت، لم تعقد الحكومة أي جلسة وزارية، وكانت جلساتها معلّقة قبل الأزمة المستجدّة مع السعودية علماً بأنّ هذا الأمر أشار اليه ميقاتي في كلمته التي ألقاها في السراي الحكومي بعد عودته من غلاسكو، بالقول إنّ حكومته تعرّضت لامتحانين: الامتحان الأول تدخّل السياسة في القضاء ما أدّى الى أحداث الطيّونة. 

والثاني تصريحات قرداحي التي «أدخلت لبنان في محظور المقاطعة» من قبل السعودية وبعض دول الخليج، عندما كانت بصدد استكمال البحث في سبل عودة مجلس الوزراء الى الانعقاد، على ما قال.

وتجد المصادر نفسها أنّ انعقاد مجلس الوزراء بعد أحداث الطيّونة، لم يكن ليحصل من دون انتهاء التحقيقات بشأنها، ومعاقبة المرتكبين، ومن دون حلّ الخلافات السياسية قبل العودة الى عقد الجلسات الوزارية، ولهذا فإنّ وضع استقالة قرداحي وكأنّها الحلّ الأوحد للأزمة مع الدول الخليجية، ليس أمراً صحيحاً، فمحاولة «تعطيل» عمل الحكومة أتت من الخلافات الداخلية، ولا علاقة له بتصريحات قرداحي التي أعلنها قبل توزيره.

وتقول المصادر إنّ قرداحي لن يستقيل، ليس بسبب التعنّت أو النكايات، بل على العكس، فقد سبق وأن عرض تقديم استقالته فور نشوب الأزمة، على رئيس «تيّار المردة» الوزير السابق سليمان فرنجية كونه محسوبا عليه سياسياً، غير أنّ هذا الأخير رفض لأنّه لا يريد تقديمه «فدية» لأحد، على ما قال، مشيراً الى أنّه يقف الى جانبه في أي قرار يتخذه. 

ولكن مع عودة ميقاتي من الخارج بحلّ «استقالة قرداحي» فقط لا غير، فإنّ هذا الأمر يؤكّد على محاولة الولايات المتحدة الأميركية التي تصرّ على بقاء حكومة ميقاتي لإجراء الانتخابات النيابية في موعدها، تحجيم حزب الله مرّة جديدة، كون وزير الخارجية السعودي صرّح بأنّ المشكلة الأساسية لا تتعلّق بقرداحي إنّما «بوكلاء إيران» في لبنان.

وبناء عليه، إنّ استقالة قرداحي فوراً، على ما يُطالب ميقاتي، لن تُعيد العلاقات اللبنانية- السعودية، واللبنانية- الخليجية الى طبيعتها، على ما أكّدت المصادر عينها، كون المشكلة، على ما يراها السعوديون، في مكانٍ آخر فلماذا القيام إذن بخطوة غير مفيدة للبنان ولحكومته؟! ولهذا فإنّ المخرج أو «الكلمة الفصل» لحلّ الأزمة المستجدّة تتطلّب، على ما ترى المصادر، المزيد من اللقاءات والاتصالات الداخلية، بعد أن أعلن الخارج عن موقفه المتعلّق باستمرار حكومة ميقاتي حتى الربيع المقبل، بهدف مواكبة إجراء الانتخابات النيابية في موعدها.

وإذا كان المطلوب «خطوة عملية من لبنان» في اتجاه السعودية، على ما عقّبت المصادر، بحسب ما نتج من مشاورات ميقاتي السياسية على هامش قمّة غلاسكو، فيمكن تقديم الاعتذار من السعودية، في حال حملت تصريحات قرداحي أي إهانة أو انتقاد لها، والتأكيد على حرص لبنان على أفضل وأطيب العلاقات مع الدول الخليجية والعربية ككلّ، والالتزام بعدم التدخّل في شؤونها الداخلية. 

أمّا الاستقالة والتي لن تؤدّي بالضرورة الى إعادة العلاقات الى طبيعتها، فستبقى «معلّقة» الى حين إيجاد المخرج الذي يحفظ السيادة اللبنانية والكرامات.

وتقول المصادر: صحيح أنّه لا يجوز بقاء الوضع على ما هو عليه، من تعطيل عمل الحكومة، ومن مقاطعة الدول الخليجية للبنان، غير أنّ المخرج لا يُمكن أن يأتي دائماً على حساب لبنان، ولا على حساب فريق فيه يُشارك في الحياة السياسية. 

ولهذا لا بدّ من الدعوة الى جلــسة وزارية ووضع خارطة طريق الحلّ للخروج من الأزمة الديبلوماسية مع دول الخليج التي اقترحها ميقاتي على الطاولة، ومناقشتها، بحسب رأي المصادر، والاتفاق على الحلّ المناسب لإعادة هذه العلاقات الى سابق عهدها. 

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل سيحــضر الوزراء الشيعة هذه الجلسة، أم سيكون على ميقاتي استكمال مشاوراته ولقاءاته الداخلية بهدف التوصّل الى الحلّ - المخرج قبل انعقاد أي جلسة لمجلس الوزراء؟! وفي حال انعقد مجلس الوزراء في حضور الوزراء الشيعة، فما الذي يضمن عدم تفجير الحكومة من الداخل الى أجلٍ غير مسمّى؟!

إرسال تعليق

أحدث أقدم
يرجى الدردشة مع فريقناسوف يرد المسؤول في غضون بضع دقائق
مرحبًا ، هل هناك أي شيء يمكننا مساعدتك به؟ ...
ابدأ الدردشة ...