الطيونة: إنهيار مشروع التسوية


 "ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح

التسوية التي أمل البطريرك الماروني بشارة الراعي "تطويبها" في أن تشكل مخرجاً للأزمة السياسية الراهنة تترنّح، أو أنها سقطت بشكل أو بآخر كنتيجة طبيعية لعدة عوامل: تراكم التحفظات عليها وسوء إدارتها أو تسويقها لدى المعنيين، إلى جانب حالة الإرتياب من معظم بنودها. 

وقد تبين أن "مشروع التسوية" يتضمن بنوداً "ملغومة" أو ذات تفسير يشوبه الإرتياب أو مشوّهة وتحمل على التأويل، كمثل وضعية "القوات اللبنانية" القانونية بالنسبة إلى "حادثة الطيونة". ومصير المحقق العدلي في جريمة المرفأ القاضي طارق البيطار.

وللتذكير، قامت وساطة الراعي باتجاه رئيس مجلس النواب نبيه بري، وعبره نحو الرئيسين ميشال عون، و نجيب ميقاتي، على محاولة مساعدة من جانب شخص ذات قدرة على صناعة تسوية لتأمين حلٍ لمشكلة التحقيقات في انفجار المرفأ والمشكلة الناجمة عنها (أحداث الطيونة) ما يفتح الباب تلقائياً أمام معالجات سياسية "تحرّر" مجلس الوزراء.

بإختصار يُمكن القول أن "حزب الله" ساهم بشكلٍ أو بآخر في القضاء على التسوية في مهدها، إلى جانب شراكته مع حركة "أمل" التي لم تلائمها مثلاً بعض البنود التي تسرّبت إلى الإعلام وأوحت أنها "تبيع دماء شبابها". هناك جانب آخر أجهزَ على "المشروع" بالنسبة إلى "الحركة". 

فالراعي الذي حضر إلى دارة الرئيس برّي على شرف إنهاء ذيول الأزمة، وفتح أفقٍ جديد ينعكس إيجابياً على الحكومة، يبدو أنه أُحرج في مكان حين شاءت بعض المصادر الربط بين قضيتي المرفأ و أحداث الطيونة، وأوحت بأن رأس الكنيسة المارونية ، يبحث عن حلّ للثانية عبر التنازل عن بعض الثوابت في القضية الأولى. 

إلى جانب هذه الضبابية التي امتازت بها بكركي إلى حدٍ جعلها تتهرّب من الإفصاح عن مضمون المشاورات مع بري و "الحياء" في تبنّي مبدأ التسوية، خرجت "القوات" كمثل من لا يريد إظهار نفسه كطرف، يبحث عن مخرج لحل الملف. معراب التي شربت "حليب السباع" بعد حالة التضامن معها في الشارع وأوصلت رسائل بأنها "محصّنة شعبياً"، تعتقد أن إدخالها في بازار التسوية التي يُحكى عنها ، يُفقد من قيمة الوهج الذي حظيت به في الشارع وإنما ينسفه ويظهرها عنصراً ضعيفاً يسعى إلى استمالة تسوية "كيف ما كان"، ما يمثّل ضرراً معنوياً بالغاً لها ويشكّل حالةً غير صحية قبل الإنتخابات. 

لذلك كان التعميم يوم أمس بضرورة التركيز الإعلامي على رفض مبدأ الربط بين ملفي المرفأ و الطيونة وتركيز الإستهداف على التسوية التي تُطبخ، من دون إقحام بكركي في الموضوع أصلاً. 

ويتردد في السياق أن معراب عملت على إبلاغ البطريركية المارونية بموقفها مسبقاً، كي لا يفسّر على أنه موجه ضد الراعي أو حراكه.

على الجانب الآخر، إرتاب "حزب الله" من بنود التسوية. طبعاً هو يثق إلى أبعد حدود بالرئيس نبيه بري ولا يشك قط في نوايا رئيس المجلس ولا الحركة على العموم، التي أبلغت من يعنيهم الأمر أن لا مساواة على دم الأخوة.

مصدر ارتياب الحزب يكمن في وجود محاولة لتأمين "حصانة سياسية" للقاضي طارق البيطار على ظهر ما حدث في الطيونة. 

فبدل أن تنهي ذيول حادثة الطيونة وجود بيطار من أصله كسيّد لملف المرفأ، هناك من يريد تثبيته في موقعه من خلال التسوية وتكريسه كأمر واقع أو معبر للحل، وهو ما لن يرضى به "الثنائي" إطلاقاً وعلى وجه التحديد "حزب الله".

هناك مصدر ارتياب آخر لدى الحزب. فهو يعتقد أن البيطار "فاتح خط" مع السفارات وبعض منظمات المجتمع المدني، وهؤلاء ومن خلال احتساب بعضهم على أهالي الشهداء، يدفع صوب الإسراع في إنجاز القرار الظني وإعلانه قبيل الإنتخابات. 

ويعتقد الحزب هنا أنه مستهدف بالقرار بناءً على معطيات باتت بحوزته، وهو غرض يُراد من خلاله إدخال تعديلات على المزاج الشعبي وتوظيفها في الإنتخابات النيابية، إن لم يكن افتعال أجواء غير مؤاتية للإنتخابات قد تؤثر على توجيهات الفئات الناخبة، سيّما لدى البيئة المسيحية.

أمرٌ آخر يثير شكوك الثنائي الشيعي ومصدره حركة "أمل". 

بالنسبة إلى الحركة، تعتقد أن البيطار يتحرك من وراء إملاء مصدره النائب جبران باسيل، لا بل إن الحركة تعتقد إنما تجزم، أن باسيل يؤثر بنسبة كبيرة على البيطار ويستفيد منه، ويتقاطع في ذلك مع المجتمع المدني، على مبدأ أن بيطار يسعى لتحصين نفسه عبر تعميق علاقته مع باسيل من جهة، ومن جهة أخرى "يفتح" مع السفارات وتيارات المجتمع المدني لأجل تأمين "حصانة خارجية" ظهرت عنها أكثر من مرة على شكل بيانات دعم، أميركية – فرنسية منفصلة تحديداً.

وفي اعتقاد حركة "أمل"، أن باسيل يريد عبر البيطار، الإقتصاص من الرئيس نبيه بري و النائب السابق سليمان فرنجية والرئيس سعد الحريري (عبر استهداف الموظفين المحسوبين عليه) رغبةً منه في تأمين استفادة ما خلال الإنتخابات النيابية. على هذا النحو، تولّدت قناعة لدى عين التينة من أن باسيل يتقاطع مع المجتمعين الدولي والمدني (الذي نبذه منذ زمن) على الإستفادة من الإنتخابات المقبلة، كلّ بمقدار ما يرغب. هذا الجو الذي نقل تحديداً إلى "حزب الله"، زاد من منسوب الإرتياب لديه. صحيح أن الحزب "فاتح" على باسيل ويتمتعان بعلاقة سوية عمودها الفقري إتفاق "مار مخايل"، لكن ذلك لم يعفِ الحزب من طرح الأسئلة العميقة والمحددة حول دور باسيل وتموضعه الحالي بالنسبة إلى انفجار المرفأ، وعتبه الشديد عليه لكونه يدفع صوب "تمكين" البيطار في موقعه وعدم أخذ "ارتيابات الحليف المشروعة" على محمل حسن.

بناءً على كل ذلك، لن تجد "تسوية الراعي" منفذاً لها صوب العبور طالما أنها تكرّس مسألتين: بقاء البيطار في موقعه ومنحه وكالةً سياسية غير قابلة للعزل، وإخراج الدكتور سمير جعجع من "عنبر الطيونة" كمشتبه فيه.

بنتيجة كل ذلك لا بدّ أن يسقط على المسار خاسرون. يُعدّ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أبرزهم حالياً. ميقاتي الذي منّى النفس في حراك الراعي، استاء حين وصلته الأجواء السلبية التي أوحت بعدم الإتفاق، وعليه ستبقى الحكومة قابعةً في منطقة الأسر، وللبحث صلة.

إرسال تعليق

أحدث أقدم
يرجى الدردشة مع فريقناسوف يرد المسؤول في غضون بضع دقائق
مرحبًا ، هل هناك أي شيء يمكننا مساعدتك به؟ ...
ابدأ الدردشة ...