عندما تأكلُ الحيتانُ السمك


 مَـنْ أهلكَ الشعبَ لولا أنَّهُ حجرٌ لكانَ حنَّ على آلامهِ الحجرُ ج. هـ.

الحوادث المؤلمة التي وقعت أخيراً في الطيونة - عين الرمانة، هي واحدة من سلسلة أحداث تكرّر نفسها في لبنان، وما كان بعدها ثوابٌ ولا تطهيرٌ من ذنبٍ ولا تنبيهٌ من فتْنة.عندما تسقط دولة الدستور في الشارع يصبح الشارع المسعور هو الدولة فتنهزم شرائع الرسالات بين قعقعة البنادق ويصبح الصراع المذهبي ضحيَّةَ الجنون السياسي.

 

ليس صحيحاً، أنّ صراع الطوائف التاريخي في لبنان كانت أسبابه حكماً مذهبية الدوافع، الصراع الدرزي الماروني سنة 1860 أشْعلَهُ العثمانيون في إطار التجاذبات الدولية.


أحداث 1958 كانت خارجية الدلالات عندما رفض الرئيس كميل شمعون قطع العلاقات الدبلوماسية مع دول الغرب التي هاجمتْ قناة السويس.

 

الحرب المسيحية الإسلامية 1975 كان لدوافعها الفلسطينية امتدادات عربية ودولية.


وليس صراعاً مذهبياً ذلك الذي وقع في ما سُمّيتْ «حرب العلم» بين حركة أمل والحزب الإشتراكي سنة 1986.

 

وليست صراعاً مذهبياً تلك الوقيعة المحمومة بين حزب الله وحركة أمل سنة 1987.ولم تكن حرباً مذهبية تلك التي نشبت دامية بين الجنرال ميشال عون والقوات اللبنانية سنة 1989.

 

وهذا يعني أن السلاح المذهبي لم يكنْ حصراً موجهاً ضدّ مذهب آخر بقدر ما كانت له ارتدادات على الذَّات، وجولاتٌ بين أجنحة المذهب نفسهِ على نفسه ومثلما لم يكن مذهبياً حصراً إستهدافُ المناطق الدرزية ومدينة بيروت سنة 2008، كانت حوادث الطيونة - عين الرمانة تندرج في السياق نفسه، والتي كان من أسبابها سقوط سلطة الدولة، وسقوط ورقة التين التي تغطيّ العورات العقلية والنفسية والجسدية، والتي سقطنا معها من الفردوس الوطني إلى قعر جهنّم الرئاسي.

 

وسط تعاظُم المِحَن، نظلّ نطرح على أنفسنا السؤال: في أيِّ وطـنٍ نحن..؟ في أي دولةٍ أيِّ حكم وحكومة ورؤساء ونواب ووزراء، بل في أيِّ غابٍ نحن تحكمه الكواسر بالكوارث.

 

المجرم والمذنب والفاسد والمرتكب واللصّ، يتهيّب سلطة الدولة ودينونة المحكمة، عندما يكون هناك دولة وحكم وحكومة ومحكمة.

 

فكيف إذا كان الحاكم والمسؤول والسياسي والزعيم هو اللصّ، يرتكب المحّرمات بإسم الدستور، والدستور بين يديه أشبه بورق اللعب في أيدي المقامرين كمثل ما يقول شكسبير: «في ظلّ أيّ دستور لا بدّ من أن تأكل الحيتان السمك».


وأغرب ما يدهشنا والبلاد تتأجّج بالكوراث والشعب يتقاتل على الرغيف، أنْ نراهم يتقاتلون على المكاسب والمناصب في وطنٍ يتلاشى تباعاً، ينهار يتهدّم يتدمَّر يتحطَّم يتقزَّم، ولم يعد فيه من مزاياه العظيمة إلاّ العظم.

 

ويدهشنا أن يكون الحكم بإسم الشعب وبواسطة الشعب، والشعبُ أصبح يأكل من لحمه، ينزف ألماً ودمعاً في نزاعٍ مع شبح الموت..

 

وحكومة الأربعة والعشرين وزيراً أصبحت في الحجْرِ الإنفرادي أربعاً وعشرين حكومة.

 

ومؤسسات الحكومة تضجّ بالعفَن وتدبُّ فيها أسراب النمل..

 

وموظف الحكومة يتلوّى في بيته ووسيلة النقل إلى الوظيفة أشبه ببطاقة السفر.

 

كلّما عللنا النفس شهراً بعد شهر باقتراب الفرج، يأتي الذي سيكون أسوأ مما كان، ولم نعد نعرف ما تخبئ لنا الأيام والشهور المجهولة الطالع من كبائر ومجازر، ولم نعد نعرف في أيِّ شهرٍ تنتهي أعمارنا، وبحسبِ أيّ تقويمٍ: التقويم الشمسي أو التقويم القمري.


يقول الإمام علي بن أبي طالب في الغوغاء وسفَلةِ الناس: «هم الذين إذا اجتمعوا ضرّوا وإذا تفرقوا نفعوا...»

 

فيما المسؤولون عندنا، هم الذين إذا اجتمعوا ضرّوا وإذا تفرقوا ضرّوا لقد ارتكبوا ما لم يرتكبهُ في الأرض كافر... ولا خلاص لنا معهم.. إلاّ أن يتركونا نعيش إذا عشنا بسلام، ونموت إذا متنا بسلام.

إرسال تعليق

أحدث أقدم
يرجى الدردشة مع فريقناسوف يرد المسؤول في غضون بضع دقائق
مرحبًا ، هل هناك أي شيء يمكننا مساعدتك به؟ ...
ابدأ الدردشة ...