ربما يكون من الضروري أن يستذكر اللبنانيون بشكل عام، وأهل عين الرمانة بشكل خاص، ما سطرته ملحمة أحداث حرب المئة يوم التي خاضها أبناء الأشرفية والمناطق المحيطة بها خلال عام 1978 في مواجهة الجيش السوري.
فبين 1 تموز 1978، و7 تشرين الأول من ذلك العام، إضطر أبناء الأشرفية والمنطقة المحيطة للجوء إلى الملاجئ والطبقات السفلى من المباني التي زنرت أبوابها بأكياس الرمل.
فقد كانت راجمات الصواريخ تنصب عليهم من كل حدب وصوب حيث وصل عدد القذائف أحياناً إلى 100 قذيفة في الدقيقة.
جيش النظام السوري مارس أقسى وسائل العنف المشبعة بمشاعر الكراهية العنصرية والقومية والفكرية ضدهم. كان حافظ الأسد ينتقم من المسيحيين الذين زرعوا وطناً سيداً حراً ومستقلاً في قلب سوريا الكبرى، مع إخوان لهم من أبناء المسلمين. كان ينتقم من أحزابهم التي أيّدت رحلة الرئيس السادات إلى القدس رافعة لواء الإعتدال في الدفاع عن القضية الفلسطينية.
وكان يبعث من خلال الدماء السائلة من ابنائهم، رسائل إلى ياسر عرفات ووليد جنبلاط. فياسر عرفات قاد "منظمة التحرير" إلى الإستقلال عن الأنظمة العربية، وجعل للفلسطينيين هوية مستقلة عنها، وأطلق مسيرة الإعتدال في مواقف المنظمة، مختاراً السير في ركب النظام القانوني الدولي، على ظلمه، كطريق قويم لصناعة السلام.
أما وليد جنبلاط فكان يمثل إرث والده كقائد للحركة الوطنية وللدروز الأحرار، وكان يقود جبلاً وقوى كانت ما زالت تتململ من إغتيال السوريين لوالده.
كان الأسد يرسل كذلك، الرسائل إلى الدول العربية المعتدلة، وإلى الدول الخارجية المعنيّة وخاصة الولايات المتحدة وإسرائيل، ليقول لها بأن صناعة السلام في الشرق الأوسط تمر عبر بوابة دمشق. وكما اعتبر أبو إياد أنّ طريق القدس تمر من جونية، رأى حافظ الأسد أن طريق دمشق يجب أن تمر عبر تدمير الأشرفية وتدجين سكانها، لتكون بوابة السلام في الشرق الأوسط.
فشل الأسد. فتلك الحرب لم تثن الأحزاب اليمينية عن مواقفها وانهزم الجيش السوري وخرج من المناطق المسيحية في بيروت الشرقية. كما أن تلك الحرب لم تبدّل في موقف ياسر عرفات ودوره المتصاعد في تقرير مصير شعبه، ولم تبدل من مواقف أميركا وإسرائيل بل زادتهما تعنتاً.
أملنا أن ينتبه الدكتور جعجع وكذلك حزب "القوات" إلى هذا الأمر. فمن المطلوب أن يبدأ حيث انتهى بشير الجميل اي في الإنحياز إلى التوافق الوطني والعلاقات اللبنانية العربية. العلاقات بإسرائيل تحكمها إتفاقية الهدنة لعام 1949، وطريق السلام معها تحكمه المقررات العربية الرسمية والقائمة حتى اليوم على إعلان بيروت لعام 2002.
كما من المطلوب أن يبدأ حيث انتهى كمال جنبلاط، أي لا مساومة على حرية القرار الوطني في لبنان ولا قبول بتدخل سوري أو إيراني أوغيره جديد في لبنان. وأنا واثق أن كمال جنبلاط كان سيكون أول من يرفض سلاح حزب إيران في وطنه.
وأخيراً، فإن العلاقة مع أهل الجبل لا تمر تحديداً بسيدي قصري المختارة وخلدة. كنا نتمنى أن ينحاز هذان القصران إلى خيارات السيدين اللذين أورثاهما القصرين، حيث أن الأمير مجيد كان من أكثر المتحمسين لاستعادة سلطة الدولة من خلال إتفاقية 17 أيار 1983، بينما دفع كمال جنبلاط حياته ثمناً لرفضه الخضوع لآلية حافظ الأسد السياسية والإعلامية.
بين أهل الجبل أكثرية كبيرة من الأحرار الذين يرفضون السكوت على دور إيران المقنع وليسوا منخدعين بشعارات أحزابها الصفراء خلفها. هم يريدون استعادة الدولة والسيادة والإستقلال والحرية وحياد لبنان والعيش بكرامة في وطنهم.
السفير : هشام حمدان - نداء الوطن