كلفة الارتطام: بيع الذهب أو مقديشو "العصر الحجري"؟


 ينتظر رئيس الجمهورية  عودة الرئيس المكلّف  من الخارج لـ "الخروج من النفق الأسود". وينتظر سعد الحريري والرئيس نبيه بري ووليد جنبلاط تنازل ميشال عون عن الثلث المعطل لكسر حالة المراوحة القاتلة في تأليف الحكومة. والفرنسيون ينتظرون من زعماء "لويا جيرغا" في لبنان القليل من الحكمة لإنقاذ شعبهم من الهلاك. وسائقو "بوسطة الانهيار" ينتظرون الخبر اليقين من المفاوضات الايرانية الاميركية وأي إشارة، سلبية أو ايجابية، من المملكة العربية السعودية  ليبنوا على التسوية مقتضاها...!
وبالانتظار، تشهد العملة الوطنية المزيد من التقهقر الذي يدفع ثمنه كلّ اللبنانيين المُهدّدين بنزع سقف الحماية عنهم بالكامل حين يرفع مصرف لبنان العشرة مطلقًا صفارة نهاية دعم المواد الحيوية، وأبرزها المحروقات والطحين والأدوية وبعض السلع الغذائية.
برأي مطلعين، تقاذف كرة النار بين الحكومة والوزارات المعنية من جهة وحاكم مصرف لبنان من جهة أخرى سينتقل إلى الحكومة المقبلة في ظل قرار واضح لدى حسان دياب بعدم السماح "باغتياله مرّتين"، كما يقول قريبون منه، مرّة حين رُفِع الغطاء عن حكومته وتُرِك وحيدًا، والمرة الثانية عبر محاولة تحميله وزر سياسات  "انتحارية" قادت إلى الانهيار المالي الكبير
يأتي ذلك بعدما كرّر رياض سلامة في الأيام الماضية "تحذيراته" لحكومة تصريف الأعمال "بضرورة التصرّف فورًا وحسم مسألة ترشيد الدعم وإلا سيتوقف مصرف لبنان عن دعم المواد الأساسية بشكل نهائي بعد استنفاد الدولارات المتوافرة في الاحتياطي". وكعادته، في الاجتماع الأخير للجنة الوزارية المعنية بترشيد الدعم، لم يفصح سلامة عن القيمة الحقيقية المتبقية من الاحتياطي، ملمّحًا إلى أنّ قدرة مصرف لبنان على استمرار الدعم لن تتجاوز الأسابيع القليلة.  
برأي مطلعين، تقاذف كرة النار بين الحكومة والوزارات المعنية من جهة وحاكم مصرف لبنان من جهة أخرى سينتقل إلى الحكومة المقبلة في ظل قرار واضح لدى حسان دياب بعدم السماح "باغتياله مرّتين"، كما يقول قريبون منه، مرّة حين رُفِع الغطاء عن حكومته وتُرِك وحيدًا، والمرة الثانية عبر محاولة تحميله وزر سياسات  "انتحارية" قادت إلى الانهيار المالي الكبير".
وهو الاختبار الأقسى الذي يحاول الرئيس المكلّف تجنّبه مفضّلًا أن تتّخذ حكومة حسان دياب هذا "القرار الكبير" على أن تتكفّل حكومة الاختصاصيين بمعالجة انعكاساته والظهور بمظهر المنقذ بمؤازرة من  المجتمع الدولي.
تداعيات التخاذل السياسي في تأليف الحكومة والذي يصل إلى حدّ الجريمة والتواطوء ضدّ مصلحة شعب باتت هائلة ويلزمها مسار طويل من "العلاج" على دفعات كي يستعيد لبنان أنفاسه فقط.
فجميع الخبراء يسلّمون بأن ارتفاع سعر صرف الدولار منظّم ويعكس التلاعب السياسي بقيمته الحقيقية. وأتاح الانهيار وتعليق الدولة سداد ديونها الاستفادة المنظّمة لـ "ميلشيات" السلم من الحرب المالية على اللبنانيين واللائحة معروفة: المساهمون في المصارف وأصحاب النفوذ والمستشارين الذين  قاموا بعملية تلاعب كبيرة غير أخلاقية ترتقي إلى مستوى الخيانة عبر الدخول في  مقايضات مبادلة مخاطر الائتمان على سداد الديون الخارجية أو CDS، بالتزامن مع  الدفع باتجاه عدم سداد الدولة لديونها، فجنوا أرباحًا طائلة من هذا التوقف عن الدفع... إضافة إلى التجار ومافيات الأدوية والمستوردين من أصحاب الاحتكارات في أغلب القطاعات، والصرافين باختلاف مستوياتهنم من الفئة "أ" حتى "جماعة الشنطة"... الكلّ استفاد إلا منتظري اتصال الحريري بعون للتوافق على حكومة علّها تغيّر مسار اللبنانيين نحو جهنم.
يقول الخبير الاقتصادي دان قزي لـ "أساس" إنّ "المنصة ستكون هي نفسها التي أنشأها سلامة في حزيران  2019، وتدرجت من سعرف صرف 3200 للدولار الواحد إلى تثبيته على 3900, فيما كان يفترض أن تشكّل سوقًا للتداول والبيع والشراء"، مؤكدًا أنّ المنصة الجديدة "لن تلجم السوق السوداء لمجرد أن سلامة نفسه لا يريد ذلك"
وحتّى الرعاية الدولية لهذه الحكومة قد لا تنفع على ما يبدو لأن "السوسة" داخلية. يوضح قزّي: "إذا لم يكن رياض سلامة يكذب فلدى مصرف لبنان احتياطي بقيمة 16 مليار دولار، يصرف منه الحاكم مليار دولار شهريًا للدعم والتحويلات المالية الاستنسابية. وهذا يعني بعد 16 شهرًا يمكن أن نصل إلى صفر احتياط. ويكون أمامنا خيار بيع الذهب أو التحوّل إلى نموذج مقديشو في 1993، بمعنى أنّنا سنفقد كافة مقوّمات الدولة وسنشهد سيطرة شريعة الغاب، أي ما يشبه العصر الحجري، وأيّ حكومة مقبلة على شاكلة التي يتمّ تأليفها ستؤخّر الاصطدام لا أكثر".وسلامة المُلاحق أمام القضاء السويسري والبريطاني، يعكف على ابتداع حلول تسهم أكثر إمّا في تدمير الليرة عبر طباعة المزيد من النقد وزيادة حالة التضخم أو "التفنيص" على اللبنانيين باختراع منصة مالية لتنظيم عمليات الصرافة "حماية لاستقرار سعر صرف الليرة"، كما قال. لكن عمليًا المنصة لن تقدّم أو تؤخّر في لجم السوق السوداء لا بل سترسّخ واقع المضاربة والأرباح غير المشروعة للمتلاعبين بالعملة.   
يقول الخبير الاقتصادي دان قزي لـ "أساس" إنّ "المنصة ستكون هي نفسها التي أنشأها سلامة في حزيران  2019، وتدرجت من سعرف صرف 3200 للدولار الواحد إلى تثبيته على 3900, فيما كان يفترض أن تشكّل سوقًا للتداول والبيع والشراء"، مؤكدًا أنّ المنصة الجديدة "لن تلجم السوق السوداء لمجرد أن سلامة نفسه لا يريد ذلك، مع التذكير بأن بداية ارتفاع سعر صرف الدولار حصل في صيف 2019 ولم يكن ذلك ليحصل من دون رضى حاكم مصرف لبنان".
ويؤكد قزي أنّ "السعر الحقيقي لليرة اليوم هو خمسة آلاف، أمّا سعر الـذي يقارب 15 ألف فهدفه فقط فتح الطريق أمام سلامة ليطبع المزيد من العملة الوطنية لدفع الودائع بالدولار غير الموجود في المصارف". ويشير إلى أنّ "تحرير سعر الصرف سيطلبه صندوق النقد الدولي عاجلًا أم آجلًا، لكن الكارثة هي في الاستمرار بطبع الليرة. وهذا واقع يتحمّل تبعاته الموظف والعسكري وكل من يقبض راتبه باللبناني".
عمليًا، كل يوم تأخير في تأليف الحكومة يعقّد حل الأزمة ويفتح البلد الصغير أمام أسوأ الاحتمالات. لكن هذا الاستنتاج لا يوافق عليه كثيرون بما في ذلك خبراء المال والاقتصاد. يقول قزي: "الحكومة لن تشكّل مفترقًا مصيريًا في مسار حلّ الازمة سيما وأن المنظومة  نفسها هي التي تتولى تشكيلها وبالعقلية المحاصصتية التي طبعت تأليف الحكومات السابقة. فحين تكون الطائرة في مرحلة التحطّم الوشيك ماذا يمكن أن يُنتظر ممّن يناقشون مذهب وطائفة المولج بتأمين هبوط آمن لها بعيدًا عن معيار الكفاءة؟!".
يضيف قزّي: "ومن طريقة تأليف الحكومة يمكن توقّع نوعية القرارات التي ستصدر عنها"، مشيرًا إلى أن "لحظة التأليف قد تؤدي إلى تراجع في سعر صرف الدولار، لكن مع أداء الحكومة المتوقّع لن تتغيّر الأمور خصوصًا مع طاقم وزاري محتمل من 24 وزيرًا. في الولايات المتحدة الأميركية أكبر وأهمّ دولة في العالم، هناك 15 وزيرًا، أما هنا فالحشو سببه منافع محاصصاتية، وسيكون له تأثيره المباشر على أداء الحكومة برغم كل فرضيات منحاها الاختصاصي".

إرسال تعليق

أحدث أقدم
يرجى الدردشة مع فريقناسوف يرد المسؤول في غضون بضع دقائق
مرحبًا ، هل هناك أي شيء يمكننا مساعدتك به؟ ...
ابدأ الدردشة ...